يا جدي... كم عمر الكــون?

يا جدي... كم عمر الكــون?

نظر (خالد) إلى وجه جده, كان مليئا بالتجاعيد الكثيرة, قال له فجأة:

- كم عمرك يا جدي?

قال الجد: سنوات كثيرة يا ولدي, كثيرة جدا.

قال (خالد): هل شاهدت العالم في بدايته يا جدي, أيهما أكبر أنت أم هذه الدنيا?

ابتسم الجد وهو يقول:

- يا له من سؤال يا خالد, بسيط ولكنه عميق جدا, إن عمري هو سبعون عاما فقط, أما الأرض فإن العلماء يعتقدون أن عمرها يصل إلى خمسة مليارات من السنين, أي منذ حوالي خمسة آلاف مليون سنة, وهكذا ترى أن سنوات عمري صغيرة جدا, إنها أشبه بحبة رمل في صحراء واسعة من سنوات عمر هذا الكون.

مولد الكون

قال (خالد) في خيبة أمل حقيقية:

- آه يا جدي, كنت أعتقد أنك قد شاهدت بداية العالم وتستطيع أن تروي لي ماذا حدث?

- لم يشهد أحد ذلك, ولكن العلماء وضعوا الكثير من النظريات حول بداية هذا الكون, وأشهر هؤلاء هو عالم فرنسي يدعى (إيمانويل كانت) عاش في القرن الثامن عشر, وقال إنه كانت هناك سحابة هائلة من الغاز أطلق عليها لقب (السديم) أخذت تدور في سرعة, وتنجذب ذراتها إلى بعضها البعض بفعل الجاذبية , ومن اصطدام هذه الذرات ببعضها البعض, تولدت الحرارة والضوء, فتكونت الشمس أولا, ومع استمرار الدوران, تطايرت من هذه الكتلة الضخمة كتل أصغر, تناثرت بعيدا وكوّنت العديد من الكواكب, وقد اتفق معظم العلماء على نظرية (السديم) هذه كأصل للنظام الشمسي التي تعتبر أرضنا جزءا منه, وعندما بردت قشرة الأرض تكوّنت مساحات الماء, وفي هذا البحر الأول تكونت مخلوقات بسيطة تتكون من خلية واحدة, ثم تطورت الحياة, وبعد مليوني عام بالضبط أصبح الإنسان هو المخلوق الذي يسيطر على معظم أجزاء الأرض.

- يا له من أمر مثير يا جدي, ولكن هل أثبت العلماء هذه النظرية?

- طبعا يا ولدي, هل تتصور أنه تم التقاط أصوات هذه اللحظات الأولى من لحظة التكوين, لقد كانت أصواتاً ضائعة في الفضاء الواسع منذ ملايين السنين, ثم جاءت الاختراعات الحديثة وأجهزة الصوت الحسّاسة والتقطت هذه الأصوات, ولكننا لم نعرف العمر الحقيقي للكون إلا في عام 1922 عندما جاء عالم الفلك الأمريكي المعروف (أودين هبل) الذي أثبت أن هذا الكون يضم العديد من المجرات والنجوم في نظام مختلف عن الكون الذي نعيش فيه, وأن الكون يتوسع باستمرار, أي أن المجرات ترحل بعيدا عن بعضها البعض, وإذا استطعنا أن نقيس سرعتها والمسافة التي قطعتها يمكن أن نعرف من خلال ذلك عمر الكون الذي نعيش فيه, لقد بنى الأمريكيون مرصدا ضخما لمراقبة النجوم وأطلقوا عليه اسم هبل تخليدا لهذا العالم العظيم.

كل شيء يتكلم

قال (خالد) محتجا:

- ولكنك يا جدي تتحدث دوما عن الفضاء, ألا يوجد شيء على الأرض?

- أجل يا بني, الأرض أيضا تخبرنا بالكثير من الأشياء, فالأشجار تتكلم, والأحجار تتكلم, بل إن جثث الحيوانات المدفونة في الرمل أو في الجليد تتكلم أيضا, هناك شاعر فرنسي مشهور اسمه (فيكتور هوجو) يقول: (في كل شجرة يقصمها فأس, يمكن أن نحصي عدد السنين التي عاشتها بقدر عصارتها), وهذا ما حدث بالفعل, عندما تتأمل جذع شجرة مقطوعة تراها تتكون من حلقات متتابعة, الحلقات الأقدم في الخارج, والأحدث في الداخل, إنها أشبه بالاسطوانة الموسيقية التي حفرت الأخاديد فيها إبرة الزمن, وسجلت في لب الشجرة عددا لا يحصي من المعلومات, يمكن للعلماء من خلالها معرفة عمر الشجرة, وفترات الحرارة والبرودة, بل وفترات الجفاف والفيضان, والشجرة أشبه بكتاب قديم يعيش على مدى قرون طويلة ويخبرنا بأحوال الزمن طوال هذه الأحقاب, قال خالد مدهوشا:

- ما أجمل هذا يا جدي, هكذا يتكلم الشجر, ولكن كيف يتكلم الحجر?

- علماء الجيولوجيا هم الذين قاموا بذلك يا بني, لأنهم متخصصون في دراسة كل أنواع الصخور, لقد قاموا بقراءة أطول وأصعب وأكبر وأغرب قاموس في العالم, إلا أنه قاموس شائق, فالصخور التي تفتتت من الجبال, وجد فيها الكثير من بقايا الحيوانات والنباتات التي انقرضت, وأقدم طبقات الصخور هي التي توجد في الأسفل, أما الحديثة فتوجد في الأعلى, ووجود بقايا النباتات والحيوانات في كل طبقة يساهم بتحديد عمرها.

ومع تطور العلم يستخدم العلماء الآن أحد العناصر المشعة لتحديد عمر أي حفرية, وهو الكربون المشع, أو (كربون 14) وهو يتولد في الجو بتأثير الأشعة الشمسية, يوجد في أجساد الكائنات الحية بكميات صغيرة وبعد أن يموت هذا الكائن يبدأ هذا الكربون في التلف بسبب ما يحويه من إشعاع, وقد تمكن العلماء من قياس الفترة الزمنية التي يتلف فيها هذا الكربون المشع ويتحول إلى رصاص خامد, وقد أمكن بهذه الطريقة تحديد حفريات الجلد والخشب وجثث المومياوات التي تركها لنا قدماء المصريين.

الإنسان... أذكى المخلوقات

قال خالد:

- ولكني سمعت يا جدي, أن الأرض كانت تسكنها الحيوانات الضخمة والديناصورات, كيف تمكن الإنسان - رغم صغر حجمه - من التغلب عليها وأصبح هو سيد هذه الأرض?

- جاء الإنسان على الأرض متأخراً بعض الشيء, أي منذ حوالي 3 ملايين سنة فقط, ولكنه كان متميزا, لقد كانت كل الحيوانات تستخدم أجسادها كأدوات, مثل المخالب والأصابع, أما الإنسان فقد استخدم أدوات منفصلة عن جسمه, مثل العصي والرماح والسلال, كما أن ذكاءه مكّنه من صنع أدواته وتطويرها, فالقرود - مثلا - تستطيع أن تستخدم فروع الشجر أو الأحجار في الدفاع عن نفسها, ولكنها تلقيها فور أن تنتهي منها, أما الإنسان فيحتفظ بها, ولأنه يتوقع أن يتكرر معه الموقف نفسه فهو يطوّرها, ويحسّنها حتى يستخدمها في المرة القادمة بطريقة أفضل, كما أن الإنسان هو أول من اتخذ مكانا ثابتا يعيش فيه, ويدافع عنه ويبتكر كل الوسائل في المحافظة عليه وهذا ما جعله يقاوم كل الحيوانات الكبرى دفاعا عن نفسه وعن أسرته, ومن جانب آخر فقد كانت كل الحيوانات تخاف من النار ولا تقترب منها, بعكس الإنسان الذي تعلم كيف يشعلها, ويحافظ عليها مشتعلة, ويستخدمها للتدفئة ولطهي الطعام والإضاءة في وسط الظلام, وعندما تطورت الحياة استخدمها في صهر المعادن وصناعة الأسلحة والأدوات المختلفة, وكل هذه الأشياء جعلته أكثر تطورا وأشد قوة. وظل يتعلم ويكتشف إلى أن وصل إلى ما هو عليه الآن, ولن يتوقف عن التطور أو البحث والتقدم.

 


 

محمد سيف

 




صراع لا يهدأ, الإنسان وهو يصارع الحيوانات الضخمة والمفترسة.





الحيوانات الضخمة التي كانت تسكن الأرض قبل ظهور الإنسان بآلاف السنين.





العلماء وهم يقومون بالحفر داخل الكهوف القديمة بحثا عن آثار الإنسان الأول.





صخرة قديمة توجد فيها آثار أحد الحيوانات التي انقرضت ومع ذلك احتفظت الصخرة بالفك العلوي للحيوان.





الإنسان يستخدم ذكاءه ويصنع الأدوات التي تمكنه من صيد أي شيء.