بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

عصفور الباوباب

أنا عصفور عادي من عصافير الدوري التي توجد في كل بلاد الدنيا. حجمي صغير وألواني هادئة ومطالبي قليلة.. حسوة ماء وبضع حبات قمح أو شعير أو بذور ثمرة ما من ثمار الشجر.
هنا في غرب إفريقيا سموني عصفور الباوباب لارتباطي بالشجرة التي تحمل هذا الاسم.

شجرة الباوباب شجرة عريقة في غرب إفريقيا وجنوبها. في المنطقة المحصورة بين الصحراء الإفريقية وساحل المحيط الأطلسي.

شكل هذه الشجرة غريب لمن لا يألفها. جذعها منتفخ كأنها تخبئ فيها كرشا كبيرا. وفروعها منتشرة في مظلة واسعة لكنها شحيحة الأوراق قليلة الخضرة. تخرج منها ثمار بيضاء مثل قطع العجين اليابس. وهي لا تثمر بانتظام. فعندما يجود موسم الأمطار تطرح ثمارها في شهري يوليو وأغسطس.

شجرة الباوباب شجرة إفريقية عريقة. قديمة قدم ظهور أول الأشجار في إفريقيا بين الصحراء والبحر.

عندما هبط المستعمرون الأوربيون على أرض إفريقيا حملوا معهم أشجار بلادهم وأشجار مستعمراتهم الأخرى في آسيا وأستراليا. أشجار مختلفة عن شجرة الباوباب المتواضعة. فمنها شجرة الكافور المعطرة من أستراليا. والبوانسيانا ذات المظلات مشرقة الخضرة والزهور الحمراء النارية من شرق آسيا.

جاءت الأشجار الجديدة وكانت أشكالها بالطبع أجمل من الباوباب. كثير من الطيور نقل أعشاشه إلى أغصان الأشجار الجديدة غزيرة الخضرة ملونة الزهور. وأنا فعلت مثلهم.

مسكينة أشجار الباوباب لم تعان فقط من هجر الطيور بل أيضا من سخرية الحيوانات والبشر. كانوا يقولون: (انظروا للشجرة أم كرش, وهي حتى مفلسة, أوراقها الخضراء قليلة, وثمارها التافهة نادرة).

المناخ في ساحل إفريقيا الغربي متقلب, به من طبيعة المحيط شيء ومن طبيعة الصحراء شيء. تأتي سنوات غزيرة المطر وكأن الدنيا تمطر وسط المحيط. وتأتي سنوات جافة لا تسقط فيها على الأرض قطرة مطر واحدة.

امتدت سنوات الجفاف وماتت كل الأشجار الغريبة التي خُلقت للمناخ المطير. تحولت إلى أشباح يابسة يعشش في شقوق خشبها النمل والفئران. لكن شجرة الباوباب لم تمت. ظلت على حالها ممتلئة الجذع رطبة وقليلة الأوراق والثمار. ولم تعشش فيها الحشرات والقوارض.

اضطرت الطيور أن تعود لتبني أعشاشها على فروع الباوباب وأنا مثلهم. لكن عندما عادت الأشجار الجديدة مع مواسم المطر سارعت إليها الطيور. إلا أنا قلت لن أغير مسكني ولن أنقل عشي من فروع الباوباب.

الباوباب شجرة حكيمة تختزن في قلبها الليفي كثيرا من الماء عندما يجود المطر. وإذا حل الجفاف تسحب من مخزون بطنها الكبير لهذا لا تموت. وثمارها يصنع منها الناس نوعا من الخبز الإفريقي وشرابا طيبا اسمه (البوي) يزيل آلام المغص.
تأتي مواسم الأمطار وتغيب. تتألق الأشجار الغريبة مع وفرة الماء وتموت إذا شح. والطيور تنقل أعشاشها تبعا للمواسم. أما أنا فعشي دائم على غصون الباوباب التي لا تفرط في الخضرة ولا تموت في الجفاف.

 


 

محمد المخزنجي