قصة من بلاد التتار

قصة من بلاد التتار

العملاق الأعور

التتار شعب من الاشداء الذين يعيشون في وسط آسيا وجمهورية روسيا وكانوا يعتمدون في حياتهم على رعي الأغنام والجياد البرية

تأليف: هنري جوجو

في قرية نارت, في الميدان الكبير, وقف أوريزماييغ الشاب الفخور وهو ينفخ بوقه في الرجال. وهو كان يسميهم جميعا بأسمائهم. واضعا يديه حول فمه, وهو يقول: لقد رأيت أثر قطيع فوق الجبل الأسود, فلنذهب فورا خلفه. هرع المحاربون في الحال تدافعوا حول أوريز ماييغ, تحركت الأفراس بنفاد صبر, ومضى التتار نحو الجبل الأسود فوق خيولهم عبر الممرات الصخرية حتى هبط الليل عليهم عندئذ ثارت عاصفة ثلجية رهيبة. لم يعد التتار قادرين على التقدم.

أحنوا ظهورهم صاغرين يغطيهم المسحوق الأبيض فوق جيادهم. واحنى أوريزماييغ رأسه بين كتفيه مكافحاً العاصفة, كان يمشي في المقدمة ممسكا لجام حصانه بين أسنانه وضاربا بكلتا يديه خاصرتي جواده. لم يتمكن رفاقه من اللحاق به. وعندما هدأت العاصفة أخيرا وبزغت الشمس وجد البطل نفسه وحيدا وسط مرعى واسع الأرجاء, وفيه قطيع رائع يقضم العشب الكثيف. النعاج كأنهن بقرات والكبش كأنه جمل.

تأمل أوريز ماييغ القطيع مأخوذا قال لنفسه: (إنني جائع) سأتناول خروفا في طعام الافطار). نزل من فوق حصانه وأمسك اول حيوان مر أمامه, شاكسه الحيوان جارا إياه يمينا وشمالا, ولما اصطدمت جبهته بإحدى الصخور اضطر أوريزماييغ الى إفلاته. قال لنفسه وهو جالس على العشب مذهولا وهو يقول لنفسه:

آه, لم أر قط خروفا قويا هكذا.

انتظر المساء قاضما بعض الخبز وهو يفكر بالطريقة التي يمكن أن يقود بها هذا القطيع العجيب إلى القرية. وعند الغسق تجمعت الحيوانات وابتعدت والكبش يسير في مقدمتها. تبعها أوريزماييغ. دخلت إلى كهف عال ونامت.

عندئذ, وبينما الشمس تغيب, قدم من المرج عملاق أعور حاملاً على كتفه شجرة كاملة. وأمام الكهف لمح أوريزماييغ. ركع العملاق أمامه ووضع إصبعاً على رأسه وقال له:

- أي ريح طيبة أتت بك إلى هنا?

أجاب أوريزماييغ مضطربا بعض الشيء:

- إيه, إنني مسافر, قدمت مصادفة من الدروب.

قال العملاق: ادخل إذن, سنتناول العشاء معا.

اجتازا العتبة, ودفع العملاق صخرة ضخمة وراء الباب ثم أوقد النار وأمسك سيخا وأمسك بأوريزماييغ وهو يضحك هازئا:

- قلت لك إننا سنتعشى معا, وأنا أنوي أن أتمسك بقولي, سأكون أنا المتعشي وأنت العشاء.

وربط العملاق أوريزماييغ إلى السيخ فأخذ يعوي ومد العملاق السيخ فوق النار وبه أوريزماييغ كأنه طريدة عارية ثم نام في إحدى الزوايا فوق القش وهو يدمدم مغلقا عينه الوحيدة وأخذ بالشخير بينما يداه معقودتان فوق بطنه الكبير. أما أوريزماييغ فقد حرر نفسه فورا, أمسك بسلسلة القدر المعدني وتوصل إلى انتزاع نفسه من السيخ. كان جلده قد احمر يتصاعد منه الدخان وهو يشعر بالغضب الشديد. وهذا السيخ أخذه بكلتا قبضتيه وجعله يحمر على النار. ثم اقترب من العملاق, وضربه بقوة على عينيه.

أخرج العملاق زمجرة مخيفة, انتصب واقفا وأخذ يقوم بحركات متخبطة مادا يديه إلى الأمام باحثا في كل مكان عن أورزماييغ الذي اختبأ بين النعاج. كان يترنح ويتعثر ويصطدم بالجدران والدم يسيل من عينه المخروقة, ثم تهالك أخيرا وزمجر:

ـ لقد ضعت. هُزمت.

نزع خاتما ذهبيا من أذنه وقال:

- إن حظي وقوتي هما في هذا الخاتم. خذ أيها الرجل الصغير إنني أعطيك إياه. حظي وقوتي سيكونان لك.

رماه على الأرض. انقض أوريزماييغ والتقطه وأدخله في إصبعه.

وبما أن الخاتم مسحور فقد صدر صوت حاد من الإصبع التي وضع فيها الخاتم.

هذا الصوت كان يصرخ:

- إنه هنا! إنه هنا!

عندئذ لاحظ أوريزماييغ فأساً مستندة إلى قرمة خشبية من جذع شجرة. فخلع الخاتم ووضعه عليه وكان لايزال يصرخ مثل ببغاء مجنون:

- إنه هنا!

اندفع العملاق الغاضب وسحق بقبضته القرمة الخشبية والفأس والخاتم مزدرداً الكل في فمه وابتلعها. أوريزماييغ انفجر بالضحك. عندئذ ركع الوحش الأعمى على ركبتيه مهدئاً نفسه وقال:

- حسن. لقد هُزمت, ولكنك لن تخرج من هنا حيا. فمن أجل أن تنقذ نفسك غدا صباحا عليك عند خروج القطيع أن تمر من بين ساقيّ وهذا لن تستطيعه. إنني أعمى ولكن أصابعي مازالت تميز ظهر الخروف عن ظهر الإنسان.

واضطجع على القش. عندئذ, وفي سكون الليل, قام أوريزماييغ فذبح الكبش وسلخه, وعند الفجر أدخل نفسه في جلده.
وفي الساعة التي يذهب فيها القطيع إلى المرعى فتح العملاق باب المغارة وانتصب في عتبتها وساقاه متباعدتان. وفي جلد الكبش مر أوريزماييغ بين ساقي الأعمى ونزل إلى قريته وتبعه القطيع, وبينما كان يتقافز في المرج كان البطل يغني بصوت مرتفع:
- حسن هذا الصباح أيها الحمار الأعمى.

اندفع العملاق في أثره. ولكنه في غضبه الشديد نسي الأجراف فوقع في أخدود عميق. وفي الجبل وحدها الخراف في ثغائها رحبت بموته بينما كان أوريزماييغ يضحك بسعادة.

 


 

يوسف شلب الشام