قصة شعبية من الصين

قصة شعبية من الصين

الطالب الفقير والطائر الراقص

كان طالبا شابا طويلا وكان الجميع يعرفونه, ووجهه ويداه لهما لون القمح الأصفر الذهبي. من فتحة عينيه, اللتين تتسمان بقدر من الانحراف البسيط في الحدقتين, كان يبتسم بقدر من الخجل, حينما كان يدخل الفندق, كان يحيي كعادته مرتادي المكان, ويغلق بعناية الباب, جالسا بعد ذلك على طاولته بالزاوية حيث كان يكتب القصائد ويرسم لساعات طويلة. الجميع كانوا يعرفون أنه لم يكن في جيبه أبدا أي قطعة نقود,ومالك الفندق أيضا كان يعرف, ولكنه برغم ذلك كان يقدم له كوبا من الشاي الساخن ليتدفأ به من البرد, وطبقا من الأرز ليقيم أوده. لم يكن ذلك لشعور مالك الفندق بنوع من الشفقة تجاهه, بل بالأحرى لأنه كان قد نشأ بينهما نوع من الود أو الصداقة, وذلك منذ أن رأى أحدهما الآخر للمرة الأولى.

وفي تلك الليلة من الشتاء, مع الجو الثلجي العاصف الذي كان في الخارج, كانوا ينتظرونه ألقى أحد الموجودين بجملة من نوع: (ليته يتمكن من العودة قبل أن يصيبه البرد...). وفي هذه اللحظة كان يدخل من الباب محييا الجميع ومغلقا الباب بعناية.

لم يجلس على الطاولة, ولكنه على الفور أحضر فرشاة الرسم وطاولة الحبر الصيني الصغيرة واتجه باستغراق نحو الحائط في عمق الفندق مديرا ظهره للأصدقاء. هناك, وعلى قدميه, وبضربات قليلة من فرشاته رسم على الجدار طائرا بقدر ما كان جميلا ودقيق التفاصيل بقدر ما بدا ممتلئا بالحياة.

النزلاء ومالك الفندق اجتمعوا حول الطالب, نظراتهم المندهشة توجهت نحو وجه الطالب المتجمد, وللطائر المرسوم على الحائط: طائر هكذا مرسوم بإحكام ودقة إلى درجة أنه يكفيه أن يفتح جناحيه لكي يغادر الحائط ويطير بعيدا عنهم.

حينما انتهى من الرسم, قال الطالب لمالك الفندق:

اليوم أترك المدينة, وسأظل غائبا عنها لوقت طويل. لكني أعوّضك عن وافر كرمك الذي عاملتني به, بعد أن أخذت بعين الشفقة والرأفة جوعي, وأمنحك هذا الطائر, سيكون كافيا أن تطرق بيدك على الحائط ثلاث مرات حتى ينفصل الطائر عنه ويحط على الأرض في وسط الحجرة. وبعد ذلك, سيأخذ في الرقص مرفها عن عملائك. ولكن تذكر: الطائر لا يمكنه أن يرقص لأكثر من مرة واحدة في اليوم.

واستدار الطالب بعدها نحو الحائط وطرق بيده ثلاث مرات. فرفع الطائر جناحيه, آخذا في فتحهما ببطء, فارداً إياهما كما لو كان قد نام قبلها لوقت طويل جدا, وناثراً بعضاً من الريش بمنقاره هنا وهناك, قبل أن يطير مغادراً الحائط ليحط في منتصف الصالة تماما. ويبدأ الرقص: (أوب لا.. أوب لا.. أوب لا..) رقص في البداية ببطء شديد وبخطوات صغيرة وقفزات إيقاعية قصيرة المدى, وبعد ذلك عوج جناحيه, وأخذ في تحريك جسده بأكمله في دوامة راقصة على أنغام موسيقى كان الطائر يسمعها وحده في داخله. مالك الفندق, وزبائنه, تحلقوا في دائرة ليروا الطائر الراقص, وهم يبحلقون بأعينهم, محتجزين أنفاسهم. وبالتأكيد كانوا يفكرون في دخائلهم أن المسألة لا تتعلق بطائر عادي, بل بطائر يكاد يكون سحريا.

بمجرد انتهاء الطائر من فقرته الراقصة, قفز قفزة واحدة من الأرض, وذهب ليضع نفسه على الحائط, آخذا لنفسه الوضع نفسه الذي كان الطالب قد رسمه عليه, ونفس السكون التي كانت له من البداية.

الطالب بدأ يتجه نحو باب الفندق تاركا الجميع في حال من الذهول التام:

- سنتقابل مرة أخرى - قال وهو يفتح الباب ويغلقه وراءه ببطء وعناية.

ومنذ تلك الليلة بدأت الفترة الذهبية للفندق, حيث كان هناك حشد متواصل من الناس يصلون من كل مكان تدفعهم الرغبة للتحقق بالأعين من تلك الحكاية التي كانت تعبر من مكان إلى مكان بسرعة الريح من فم إلى فم: طائر, مرسوم على حائط, أخذ يرقص.

ولكن ذات يوم, حدث أن أتى إلى الفندق, وعلى غير انتظار, الرجل الأكثر غنى ونفوذا في المقاطعة, دفع الباب قاصدا مالك الفندق, قائلا له بنغمة صوت لا تعترف بالرقص.
أريد أن أرى الطائر يرقص.

توسل إليه مالك الفندق:

الطائر قد رقص اليوم بالفعل, ولا يمكن جعله يرقص مرة أخرى. هذا ليس مسموحا به, أرجوك, عد في الغد.

الغني, ذو النفوذ, أخرج من جيبه حفنة من العملات الذهبية ووضعها على الطاولة زاعقاً:

أريد أن يرقص الطائر لي وحدي, والآن.

مالك الفندق, فهم أنه لن يستطيع معارضة نفوذ ذلك الشخص المتسلط, حتى إذا كان ضد رغبته فإنه أخذ يطرق على الجدار.

الطائر حرّك جناحيه بخفة, وغادر الحائط ببطء, وبروح حزينة لكائن اندفع هابطا في وسط الحجرة.

لم يرقص كعادته, ولكنه رقص برأس منخفض وبروح حزينة إلى درجة تجلب الدموع من الأعين, وحينما توقف عن الرقص, انفتح باب الفندق وظهر الطالب الشاب, بملابسه الطويلة الممزقة, وكان باديا عليه الفزع لما حل بطائره.

دون أن يقول كلمة نظر إلى الطائر, وأسرع بوضع الناي المصنوع من الخيزران على شفتيه عازفاً عليه بأصابعه. الطائر اتجه نحو الطالب ببطء ولا أحد من الحاضرين تحرّك من موضعه.

خرج الطالب بعد ذلك سائرا تحت الثلج المتساقط, وعبر المدينة عازفا اللحن الحزين نفسه, على مبعدة خطوات كان الطائر يتبعه سائرا على قدميه, بعد ذلك اختــفى كلاهما إلى ما وراء بوابة المدينـــــة, ومنذ ذلك اليوم لم يعد أحد يرى الطالب الفقير أو الطائر الراقص.

 


 

حسام علوان