صناعات يدوية
صناعات يدوية
دبس الخروب حلو كالسكر ومفيد كالعسل منذ قرون بعيدة لم يكن الإنسان يعرف السكر ولم يكن يعرف استخراجه من الشمندر والقصب السكري كما يحدث اليوم, فكيف كان يحلّى الطعام والشراب? الحقيقة انه كان يعتمد بشكل كبير على دبس الخروب في تحلية طعامه. وقد تساءل العربي الصغير إن كان يوجد اليوم من يصنع دبس الخروب. وكانت الإجابة سهلة وبديهية لأنه يوجد في لبنان منطقة تسمى إقليم الخروب وقد سميت بهذا الاسم لأنها تحتوي على عدد كبير من أشجار الخروب ولأن فيها أكثر من ضيعة تصنّع الدبس. لذلك توجهنا إلى اقليم الخروب لنتعرف على كيفية تصنيع دبس الخروب. نحن الآن في قرية صغيرة في إقليم الخروب اسمها (البرجين) وهي مشهورة بتصنيع الدبس فكل من يريد أن يشتري دبسا لذيذا وطبيعيا يأتي إلى هذه القرية. حتى نحصل على دبس الخروب لا بد أولا من أن نحصل على ثمار الخروب وهي تسمى قرون الخروب لأن شكلها كالقرن أو كالهلال. وشجرة الخروب من الشجر المعمّر في لبنان, وهي كبيرة الحجم, متفرّعة الأغصان, لها جذع كبير وورقها دائم الاخضرار, تعيش هذه الشجرة لسنوات طويلة كما انها مشهورة بأن طيور البوم تحب السكن فيها. في شهر سبتمبر وهو موسم قطاف الزيتون, تُقطف قرون الخروب وتؤخذ إلى المدبسة وهناك توضع في الكسّارة وهي آلة تكسّر قرون الخروب وتطحنها إلى قطع صغيرة جدا توضع في أكياس. تنقل الأكياس إلى غرفة كبيرة لا يدخلها نور الشمس ولا المطر وتترك في الغرفة (المخزن) لمدة تتراوح بين أربعين وخمسين يوما, حتى يصبح الخروب أكثر حلاوة. وبعد ها يصبح الخروب صالحا للتدبيس. وهذه العملية تمر بعدة مراحل هي: 1 - نقعُ الخروب في الماء بين 4 و6 ساعات. 2 - تصفية الماء الذي نقعنا فيه الخروب. 3 - غلي ماء الخروب في فرن كبير مرتفع الحرارة لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات. 4 - تصفية الدبس بعد أن يُغلى ويصبح لزجاً. 5 - تعبئة الدبس في أوعية بلاستيكية وقد صار جاهزا للأكل. إذن ينقل الدبس المطحون إلى وعاء كبير (مغطس مستطيل) ويغمر بالمياه النظيفة الصالحة للشرب ويترك منقوعا في الماء لمدة تتراوح بين أربع وست ساعات, وخلال هذا الوقت تتحلل المواد الموجودة في الخروب وتمتصها المياه. يأخذ الماء لون الخروب أي اللون البني. ثم تفتح حنفية موجودة أسفل المغطس فتنزل منها المياه البنية اللون الحلوة المذاق, تنقل هذه المياه إلى خلقينة (طنجرة كبيرة) مصنوعة من النحاس موجودة داخل فرن كبير. توقد نيران الفرن وتبدأ مياه الخروب بالغليان وبعد ثلاث ساعات تتحول المياه إلى سائل لزج ومكثف كالعسل هو الدبس, ينقل الدبس الساخن إلى برميل نظيف على سطحه منخل أو مصفاة كي يصفى الدبس جيدا. وبعد دقائق تفتح حنفية البرميل فينزل منها الدبس الصالح للأكل. يعبأ الدبس في أوعية صغيرة كالمراطبين ويباع ليتمتع الناس بفوائده ومذاقه الحلو. اشترى العربي الصغير كيلو دبسا وأخذه إلى منزله حيث أضاف القليل منه إلى الكنافة ووجدها طيبة جدا كما صنع سندويشا من الدبس, ولكنه نسي شيئا مهما وهو أن الدبس يصبح أطيب لو أضفنا إليه القليل من الطحينة. لذلك أنصحكم أيها الأصدقاء أن تضـــيفوا الطحــــينة إلى الدبـس وأنصحكم نصيحة أخرى وهي ألا تكثروا من أكل الدبس لأن تناوله بكميات كبيرة يسبب إسهالا في المعدة. فكونوا معتدلين في كل شيء, في الأكل واللهو ومشاهدة التلفاز واللعب على الكمبيوتر, لأن الاعتدال خير الأمور. وإلى لقاء جديد مع صناعة يدوية جديدة من تراثنا العربي الغني.
|