العالم يتقدم

العالم يتقدم

سر الكون... في حفنة غبار

ظاهرة كونية مثيرة ظلت تحيّر العلماء لآلاف السنين، إنها «المذنبات» التي يطلقون عليها «سيوف الفضاء» بسبب مظهرها الغريب، وربما تكون قد شاهدت يومًا ما «مذنّبًا» - سواء بالتلسكوب أو بعينك المجرّدة - إنه عبارة عن هالة ضخمة مضيئة وفي داخلها نواة صغيرة نسبيًا من الصخور والثلوج «قطرها كيلومترات عدة». ويمتد من المذنّب ذيل طويل طوله ملايين الكيلومترات.

ولكن من أين تأتي هذه المذنّبات؟

توجد ملايين المذنّبات «المجمّدة» في منطقة تقع فيما وراء المجموعة الشمسية، يطلق عليها «سحابة أورت» - على اسم مكتشفها - وعندما يتعرض هذا «المخزن الفضائي» لاقتراب نجم أو كوكب هائل، فإن أحد المذنّبات يندفع من موطنه، نحو الشمس بفعل الجاذبية، ويظل يدور حولها في مدار قصير أو طويل إلى أن تفنى مادته.

وأكثر ما يميز المذنبات أنها تمثل «المادة الخام» التي نشأت منها بعض الأجسام الفضائية مثل كواكب مجموعتنا الشمسية التي يقدر عمرها بنحو 0054 مليون سنة. إذن فلكي نتعرف على المادة الأولية التي كوّنت الكواكب - خاصة كوكب الأرض - فإن علينا دراسة مادة المذنبات.

ولكن كيف السبيل إلى ذلك والمذنبات تدور على أبعاد سحيقة في الفضاء؟

قرر العلماء تشييد مركبة فضائية تكون قادرة على أخذ عينات من غبار ذيل المذنب ثم إرسالها إلى المختبرات الأرضية لتحليلها. وتعد هذه أول «مغامرة» من نوعها في تاريخ العلم، وتمثل تقدمًا مذهلاً في مجال ارتياد الفضاء.

وقد اختير المذنب «فيلد2» الذي اكتشفه العالم الفلكي السويسري «بول فيلد» - وأطلق عليه اسمه - في عام 8791. ويدور هذا المذنب حول الشمس كل 4.6 سنة في مدار بيضاوي الشكل ما بين كوكبي المريخ والمشتري. ويبعد عنا بنحو 008 مليون كيلومتر (المسافة بيننا وبين الشمس حوالي 051 مليون كيلومتر).

وقد أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» المركبة الفضائية «ستاردست» «أي غبار النجوم» في يناير 9991 للالتقاء بالمذنب «فيلد 2» في رحلة استغرقت خمس سنوات، قطعت فيها - في رحلة الذهاب - ما يقرب من 3622 مليون كيلومتر. وكان الهدف من إطلاق هذه المركبة هو «التقاط» جسيمات من غبار ذيل المذنب «فيلد 2» التي انطلقت من نواة المذنب عند الاقتراب من الشمس والتأثر بحرارتها - وذلك لتحليل موادها والتعرف على طبيعتها.

ولكن ما أهم مكونات المركبة الفضائية «ستاردست»؟

أهم جزء في المركبة هو الذي يشبه مضرب التنس الضخم. يتكون من نحو مائة «خلية» تحتوي على واحدة من أخف المواد «الصلبة» التي تم اكتشافها حتى الآن، وهي «الإيروجيل» أي «المادة الهلامية الهوائية». وهي مصنوعة من 8.99% هواء والباقي ثاني أكسيد السليكون (أهم مادة تتكون منها الرمال).

وتتكون أيضًا المركبة الفضائية «ستاردست» من جهاز لتحليل جسيمات غبار المذنب بصفة أولية، عندما تصطدم بلوحة فضية أثناء الطيران، بالإضافة إلى كاميرا رقمية بالغة الدقة.

وتستمد المركبة الفضائية طاقتها من نحو سبعة أمتار مربعة من لوحات خلايا شمسية لتوفير الطاقة، لتشغيل أجهزتها بالإضافة إلى بطاريات من النيكل والهيدروجين، وتجرى الاتصالات بين مراكز المتابعة الأرضية والمركبة الفضائية، بواسطة منظومة متطورة تعمل بالكمبيوتر.

واستطاعت كاميرا المركبة الفضائية «ستاردست» التقاط 27 صورة لنواة المذنب التي لم تكن سطحًا مستويًا. بل كانت تحتوي - لدهشة العلماء - على تلال شديدة الانحدار وصخور مدوّرة وجبال صغيرة ذات قمم بارزة وفوهات وحفر ونتوءات. ونحو عشرين فتحة يتفجّر منها الغاز والغبار إلى الفضاء، مكوّنين ذيل المذنب، لقد كانت نواة المذنب «فيلد 2» بالفعل جسمًا فضائيًا عجيبًا لا يمكن تصوّره!

وكانت جسيمات غبار المذنب، التي تم «سجنها» في خلايا «الإيروجيل» يتراوح حجمها من واحد إلى مائة «ميكرون». (الميكرون يساوي جزءًا من ألف من الملليمتر!)، وبمجرد انتهاء مهمتها، انغلقت الكبسولة، التي تحتوي على خلايا «الإيروجيل» وداخلها جسيمات الغبار «الثمينة» إلى كوكب الأرض في يناير 6002، بعد أن قطعت المركبة الفضائية «ستاردست» في رحلة الذهاب والعودة، نحو 0084 مليون كيلومتر, حاملة عينات من غبار المذنب لتحليلها بالمختبرات المتخصصة والخالية من أي تلوث، ومن ثم التعرف على أحد أسرار الكون، نشأة المجموعة الشمسية، وبالتحديد كوكب الأرض وطننا الكبير.

 

 


 

رءوف وصفي