أبنائي الأعزاء
بيتنا الأرض
أطول رحلة لأكبر بذرة أنا ثمرة جوز الهند.. وأنا أكبر بذرة لأي نبات يعرفه البشر. عندما أنغرس في الأرض تنبت منّي شجيرة تصير فيما بعد واحدة من نخيل جوز الهند التي يصل طولها أحيانا إلى ثلاثين مترا. أي بارتفاع عمارة من عشرة طوابق في مدنكم. أَكثُر على الجزر المدارية وشواطئ المحيطات الدافئة. سمّاني الرحالة البرتغاليون عندما رأوني لأول مرة (كوكو) وهي تعني القرد. ربما لأن قردا قذف بثماري أحد المستكشفين البرتغاليين عندما تحرّش به. الوسيلة الوحيدة التي يتكاثر بها نخيل جوز الهند هي البذرة. أي أنا. لهذا خُلقت بصفات نادرة تناسب مهمتي الشاقة والتي تحتاج إلى صبر طويل. بعد أن أنضج بين أغصان نخيلي أتساقط من ارتفاعات شاهقة. يوجد غلاف صلب يحمي جسمي. وأنا أظل خصبة لشهور عديدة. قد يكون بعضكم رأى نخيل جوز الهند على حواف بعض الجزر الاستوائية وتعجب من الميل الشديد لجذوع هذا النخيل على الماء. إنه في الحقيقة يميل لتنفرد أغصانه بأكبر قدر من ضوء الشمس. ومن هذه النخلات شديدة الميل على المياه أسقط. تحملني الأمواج لمئات وآلاف الكيلومترات. وعندما أرسو على شاطئ بعيد تلين قشرتي في الرمال الرطبة ويخرج مني جذر وبادرة فتكون نخلة المستقبل. هذا هو سر انتشاري على جزر متباعدة وشواطئ تفصل بينها مسافات شاسعة. يعتبرني سكان كثير من الجزر والشواطئ التي أنمو فيها شجرة تمنحهم كل ما يحتاجون إليه في جزرهم المنعزلة لهذا يسمونني (الشجرة السحرية). فمن جذوع نخيلي يصنعون جدران وسقوف وأبواب ونوافذ بيوتهم المتواضعة. بل يصنعون من خشب هذه الجذوع أثاثا جميلا أيضا. وفي الفلبين يوجد (قصر نخيل جوز الهند) الذي شيده الحاكم السابق (ماركوس). قصر كبير فخم وكل شيء فيه من خشب نخيل جوز الهند. أما الليف الذي يحيط بسطحي أنا البذرة, فيصنعون منه حبالا متينة وشباكا للصيد. وصدفتي النباتية المتينة بتخذون منها أكوابا وأواني للشرب والأكل. ومن لحمي الأبيض اللذيذ يتغذون. وعصيري الشفاف طيب المذاق يروون به عطشهم في جزر يندر فيها الماء العذب. أما أوراقي الجديدة الطرية فهي حلوة الطعم ومغذية. وعندما يُجفّف لحمي الأبيض ويُعصــر يعطي زيت جوز الهند الثمين الذي يستخدم في صناعة مواد التجميل والصابون والشموع. أنا ثمرة جوز الهند. أكبر بذرة لأي نبات يعرفه البشر على الأرض. ورحلتي تطــول عندما أركب المــوج وأنتقل من أرض إلى أرض, لأنشر الخضـرة, وأقيم البيوت, وأغذي الحيـــوان والبشر, وأضيء الليل بشموعي. أفلا أستحق لقب (الشجرة السحرية)؟
|