مشاهير كتبوا للأطفال

مشاهير كتبوا للأطفال

الأمير تشارلز
وقصة كتبها لأخويه الصغيرين

ولد الأمير تشارلز (ابن الملكة إليزابيث الثانية حاكمة بريطانيا حالياً) في 14نوفمبر عام 1948.دخل المدرسة, مثله مثل سائر تلاميذ بريطانيا ليتسنى له الاختلاط بعامة الناس عام 1956, وبالذات مدرسة هيل هاوس في غربي لندن.

تدرج في عدة مدارس, حتى تخرج من الثانوية العامة آخذا درجة (A.Level) في يوليو عام 1967 حاصلا على الدرجات التالية (ب) في التاريخ و(سي) في الفرنسي, ودرجة (أ) في الدراسات التاريخية الاختيارية.

دخل جامعة (كامبردج) عام 1967 ليدرس الآثار وأصول الإنسان, ومن ثم دراسة التاريخ القديم والحديث.

عينته أمه الملكة أميراً على ويلز ومن ثم درس لغة أهالي (ويلز) عام 1969, كما أنه أخذ مقعده في مجلس اللوردات عام 1970.

للأمير تشارلز دراسات متعددة ومكثفة منها دراسة هندسة العمارة المدنية, كما أنه انخرط في دورات عسكرية لتعلم قيادة الطائرات والملاحة الجوية والبحرية, وإلى جانب هذا وذاك هو فنان تشكيلي بدرجة أولى وخاصة بلوحاته المائية.

تزوج في العام 1981 من الأميرة ديانا التي ماتت في حادث سيارة مؤسف في باريس عام 1997 وله منها ولدان: ويليام وهاري.

أراد الأمير المثقف والمطلع والفنان أن يمتع أخويه الأميرين أندرو وإدوارد وهما في التاسعة والخامسة من العمر ليسليهما وهما في رحلة على ظهر الباخرة (بريتانيا) فكتب لهما هذه القصة الطريفة والضاحكة, التي ألفها من محض خياله وهي قصة مسلية لكل أطفال العالم.

كان تشارلز يومها في عامه الواحد والعشرين, ونشرت رسميا في كتاب مع رسوم جميلة في العام 1980 وعنوان القصة: (عجوز لوخناغر) وإليكم تلخيص لها:

عجوز لوخناغر

ليس بعيداً جداً, عاش رجل مسن في كهف قرب بحيرة (لوخناغر), كان باب الكهف مصنوعاً من جلد الغزلان, كما أن مقبضه اقتنص من قرن غزال, حين يضغط عليه أي زائر, يضرب هذا القرن دجاجة برية تصبح فورا: (ارجع إلى الوراء)... (ارجع إلى الوراء).

رغب هذا المسن مرة في أن يصعد قمة الجبل المجاور, فاستجمع كل ما يملك من قوة وبأس وحاول المستحيل, لكن قدمه زلت فهوى من قمة الجبل إلى البحيرة ليطرش الماء والموج لدرجة ظن أهالي تلك المنطقة أن عاصفة مطر هبت على البلاد.

وغاص في البحيرة لكونه سمينا, فهو يقتات من دهن الدجاج البري وأكباده, فعبر في طريقه على كل أنواع الأسماك والمخلوقات المائية ليستقر في القعر, وبما أن له خياشيم الحيتان وعلى عينيه ماسحات للماء كتلك التي تستعمل لزجاج السيارات استطاع أن يبقى في القعر وأن يفاجأ بوجود الملك (نبتون) ملك البحار جالساً على صخرة وينفخ في قربة تطلق الموسيقى, وكان كلما نفخ تصعد فقاعات الماء راسمة أشكال النوتات...

واكتشف ان هناك طريقة وحيدة للمخاطبة وهي فقط أن تتهجى ما تريد قوله دون صوت, وعلى الملك أن يلتقط بسرعة ما تقصده, وإلا فالحيرة والبلبلة وأحيانا الحرد وقطع الحوار.

لكن (نبتون) كرّم الرجل العجوز بأن اصطحبه في سيارته المكشوفة تحت الماء في جولة تعرّف فيها على مخلوقات مملكته. وكان الأفراد يصطادون غذاءهم بواسطة بنادق تستهدف الأمعاء ومعد الحيوانات التي تطير داخل البحيرة وهي محشوة وجاهزة للأكل دون تسخين, حيث اقتات منها العجوز كثيرا لدرجة أزعجته معدته بعدها .

وعند المساء, وبينما يتناول الحديث مع مضيفه عطس الرجل العجوز مرات عدة, ربما لتغيّر المناخ عليه, وفي المرة الأخيرة, كانت العطسة قوية جدا لدرجة دفعته من تحت الماء ليقفز عاليا مجتازا مدى البحيرة لينطلق في الهواء ومن ثم ليحطّ على صخرة كانت لحظه الجيد ملساء وإلا انقعر ظهره.

في أحد الأيام, وبينما المسن ينظر بعيداً واقفاً على إحدى الأكمات, حطّ عليه نسر ذهبي كبير فتناوله من كتفيه وطار به, ثم أخذ النسر يرتفع ويعلو لدرجة بدت الأبنية والقصور تحتهما كالدمى, وبما أن العجوز ثقيل الوزن لم يستطع النسر الاستمرار بالتقاطه فتركه يهوي في الهواء, ورغم الخطورة دبت الفرحة في نفسه, فأخذ يشدو ويغني كالأطفال ويفرد يديه كجناحي عصفور, وعندما اقترب من الأرض أصيب بالرعب, لكنه عاد واطمأن لكونه هوى على فرشة مطاطية كانت بالمصادفة منصوبة ليقفز عليها الأطفال في حديقة عامة, فارتطم بالمطاط وطار في الهواء مرتفعا من جديد ليعود ويحط مجددا على الفرشة فيرتفع, وهكذا دواليك, فأعجبته اللعبة الجديدة فأخذ يصرخ فرحا ويزفر من أنفاسه إلى أن حطّ أخيراً على الفراش ضاحكا ومستلقيا لفترة طويلة.

بعدما استراح العجوز, ونزل بحبور عن الفراش المطاطي, فكر طويلا في كيفية أن يعود إلى كهفه, فالمسافة بعيدة, لكن سرعان ما تذكر, أنه في طفولته كان يشدو أغنية علّمته إياها والدته, تجعل طيور البجع تحوم حوله, لذلك لم يتوان عن إطلاق عقيرته شادياً: (كوكوكوكو.... يح يح يح... تاك تاك..) وبالفعل بعد قليل تناهى لسمعه تصفيق أجنحة ثم بدا له سرب من البجع الأبيض.

أخذ يحوم حوله في البداية, فأشار عليه العجوز بأن يحط أمامه, فحصل له ما أراد, ثم شرح للبجعات ما يريده منها, فطلبت منه أن يعطيهاحزامه الكبير الذي يلف وسطه, عندها اصطفت البجعات, ست على كل جانب, والتقطت بمناقيرها طرفي الحزام, في حين التقط المسن وسط الحزام بكلتي يديه ثم بدأت بنفث هواء ساخن من خلال تصفيق أجنحتها جعلت كل الجو مثقلاً بالهواء لدرجة أحسّ فيها بأن جسده أصبح خفيفاً, وبالفعل ما هي إلا هنيهات حتى سحبت البجعات الحزام عاليا وطارت به حاملة معها العجوز الفرح, وانطلقت كأنها طائرات نفّاثة وهو ينظر إلى الأسفل مستعرضاً الفيافي والسهول.

وكان من بين الفينة والأخرى يرشدها باتجاه منطقته لافظا إلى اليمين, إلى اليسار والبجعات لا تتكلم خوفا من انفلات الحزام من مناقيرها.

حين وصلت منطقته طلب منها الهبوط بتؤدة حتى لا يتضرر ويرتطم بالصخور, فكان له ما أراد... عندها طلب منها الانتظار قليلا, ثم دخل كهفه ليعود محمّلا بابريق الشاي وبعدة فناجين, فسكب لكل منها فنجانا من الشاي البارد والمصنوع من ورق النعناع والمحلى بالعسل الطبيعي, فأخذت ترتشف الشاي وهي فرحة حتى شبعت, لأن هذا الشراب هو بمنزلة الوقود لها فامتلأت حواصلها من هذا البترول المليء بالطاقة, لتنطلق من جديد في الفضاء وهو يلوح لها مودّعاً.

نام العجوز نوما عميقا تلك الليلة, فالهواء النظيف والطلق الذي تنفسه في رحلتي النسر الذهبي والبجعات جعله يغط في سريره طويلا, إلى أن أيقظه طير حمام زاجل يحمل له مظروفا, فتلقفه منه وفتحه ليجد زجاجة صغيرة كالأنبوب تحوي سائلا زهري اللون في داخله, وورقة مكتوبة من أهل (الغورم) وهم قبيلة من مخلوقات صغيرة تعيش في الناحية الأخرى للجبل الذي يعيش بقربه, كانت تقول الرسالة بأنهم يدعونه إلى حفل عشاء إلى جحورهم, لأنهم يعيشون في ممرات كأنها الجحور, وذلك بمناسبة عيد زواج زعيمهم الملقب بـ(هولو) المائة والخمسين, وينصحونه في هذه الرسالة بأن يشرب هذا السائل الزهري حين وصوله إلى مدخل الجحر الذي يعيشون فيه ليتقلص ويصغر مما يسمح له بالعبور إلى مملكتهم التي هي تحت الأرض, حيث سيشاركهم الابتهاج والاحتفال.

في الوقت المحدد, لبس العجوز معطفه المذهب ووضع على رأسه قبعته الريشية, وقصد بلاد (الغورم).

وبالفعل طوال الطريق كانت هناك إشارات صغيرة تحدد معالم السير, فسلكه إلى أن وصل إلى بوابة صغيرة بحجم علبة الكبريت لكنها مشغولة بجمال وأناقة, فأراد أن يضرب على الباب, لكنه أحسّ بأنه سيحطمها إن فعل ذلك متذكّرا أن عليه شرب السائل الزهري, فأخرج الزجاجة وجرعها ببلعة واحدة ليتحول بعد دقائق إلى جسم صغير يعادل الخنفساء, لكن المشكلة أن معطفه الذي يلبسه وقبعته كادا يخنقانه, فانسلّ من فردة حذائه الذي بدا له كأنه قلعة من جلد فتسلق جدرانها وسار صوب بوابة القبيلة, لكنه اكتشف أنه أصبح عارياً, أراد أن يعود أدراجه, لكن ثيابه لن تساعده, فهي كبيرة جدا عليه, لذلك طرق على باب المدخل, ففتحوا له, وطلبوا منه مرافقتهم إلى القاعة الكبيرة, حاول ستر نفسه بيديه, لكن أفراد القبيلة الذين كانوا يحتشدون بملابسهم المزركشة والملوّنة لم يحسوا بأي إحراج لكونه عاريا, بل على العكس, رحّبوا به أشد ترحيب, كان شكل مخلوقات (الغورم) كشكل البالون المنفوخ أي أن رأسهم وجسدهم كتلة واحدة, ولهذه الكتلة يدان وساقان كأعواد الثقاب, ويتحركون بسرعة, ولاحظ أن أحذيتهم مصنوعة من المطاط السميك, وهناك قطعة منها على مؤخراتهم, وكانوا حين يتكلمون يصدر منهم أصوات كطنين النحل, وعندما يضحكون ترن ضحكاتهم كالأجراس الكهربائية التي نسمعها حين نقرع الأبواب, بعد هنيهات كان العجوز خلالها مأخوذا بالزينات والأضواء لمح زعيمهم (هولو) كان حجم جسمه أكبر من الباقين, وله أربع أياد وست أرجل ويجلس على عرش يلمع بالجواهر والألماس, حين اقترب منه, همس أحد أفراد القبيلة في أذنه شيئا, أدرك على أثره أن عليه أن ينحني ثلاث مرات له, وبالفعل حصل هذا لكنه في المرة الثالثة انزلق فوقع على الأرض مصابا, عندها أدرك لماذا يلبس أهل (الغورم) المطاط الثقيل بأرجلهم ويضعونه على مؤخراتهم وذلك لعدم الانزلاق, فأرض قصورهم ناعمة جدا وملساء, لكن زعيمهم التقطه بواحدة من أياديه الأربعة وسلم عليه بالثانية, وأعطاه بالثالثة قطعة من المطاط ليضعها على نفسه, ومن ثم أشر له باليد الرابعة أن يجلس بقربه.

بعد قليل, جاءته إحدى المضيفات بكوب يحوي حليبا أبيض وباردا, وشرب منه بلذة خاصة بعد كل هذه المواقف التي مر بها, وحين سأل عن هذا الشراب قالوا له إنه حليب العناكب, فنحن هنا نحلب العناكب, أصابته الدهشة, وأراد أن يعيد الكأس إليهم, لكنه شعر بالحرج, فلم يعد يشرب منه أبدا, إلى أن عرض عليه زعيمهم أن يشاركه مشروبا, يبدو دافئا فتناول كأسا عرضته عليه المضيفة وسأل عن محتواه, فقالوا له إنه عصير الزهور البرية, لذلك اطمأن له وأخذ يحتسي منه.

على العشاء المنوع والمختلف, كان الكثير من الصحون يبدو غريبا, فهناك الهسهس مع الأرز, وأجنحة النحل المغرقة بالخل, وبعض أرجل البعوض المسلوقة كلها جعلت العجوز يتقزز في مكانه مؤثراً عدم الأكل, إلى أن أعطته واحدة من المضيفات شراب التوت البري فسرّ به وأخذ يحتسيه ليشعر بأن جسمه بدأ يكبر قليلا قليلا فأدرك الجميع أن غلطة قد حصلت لأن هذا العصير يعيد للإنسان حجمه الحقيقي, هنا تدخل زعيمهم فورا وطلب منهم إيصاله إلى الباب الخارجي بسرعة كبيرة, وإلا كارثة ستقع لهم, لأن العجوز لو كبر وعاد لحجمه الطبيعي سيدمر لهم مقارهم كأن زلزالا قد ضربهم, وبالفعل هرع برفقة الاولاد ليصل إلى البوابة الخارجية وهو إلى حد ما بالكاد يكاد يمر ليزيح بكتفه وهو خارج واحدة من عضادات الباب.

رمى بنفسه إلى الخارج تماما ليقع على الأعشاب ليفاجأ وجها لوجه بصرصار ضخم في البداية, لكنه حين عاد إلى حجمه الطبيعي أحسّ كم هو هزيل هذا الصرصار, وكم هي الدنيا جميلة حين يعيشها بحجمه الذي يعرفه.

أفاق إلى نفسه مجددا ليجد نفسه مازال عاريا, لكن بما أن الوقت ليل والظلمة تلف الأرجاء, لم يكترث كثيرا, فأخذ وقته وهو يلبس ثيابه الأنيقة, ثم سار الهوينا عائدا إلى كهفه. وهو في الطريق أحسّ بالجوع الحقيقي, كون كل دعوة العشاء هذه لم يتناول منها شيئا لا تعادل إلا حجم كشتبان من تلك التي يضعها الحائك في إبهامه.

 


 

نبيل أبو حمد