من الأدب العالمي

من الأدب العالمي

ترجمة: نجوى حسن
رسـوم: سمير عبدالمنعم

وجه المهرج

كان داني لويس يساعد أباه في تنظيف (العلية) (وهي غرفة صغيرة في أعلى المنزل وتستخدم كمخزن) في منزلهما الجديد, وكان المالك السابق للمنزل قد تركه على عجل في منتصف الليل, ولم يسمع عنه شيئا بعد ذلك, وكانت رائحة (العلية) مغبرة بدرجة فظيعة, ومليئة بكل أنواع المخلفات, وفي أحد الأركان - تحت كومة من الملابس القديمة - وجد داني دمية من البلاستيك تشبه (مهرج السيرك) إلى حد كبير, كانت في منتصف حجمه تقريبا, مع وجه مصبوغ بالبياض وأنف أحمر قان, وترتدي ثيابا فضفاضة ملوّنة, وحذاء أسود كبيرا, قال الأب:

- ما هذا الشيء القبيح, إنه يبدو وكأنه يسخر منا, يمكنك أن تحصل عليه إذا كنت تريده يا داني.

قال داني في حيرة: لا أدري, أنا أكبر سنا من أن ألعب بهذه الأشياء.

وألقى بها في صندوق القمامة.

في اليوم التالي حمل داني حقيبته الرياضية استعدادا لليوم الأول في الفصل الدراسي الجديد, وضع فيها الأقلام, والكراسات, كما وضع ملابس الرياضة التي سوف يستخدمها في حصة الألعاب, كان يخشى المدرسة, في الفصل السابق تشاجر مع جلين هاردنج الضخم, وخاضا معا قتلا سيئا, وهو يعرف أن جلين لازال يكن له الضغينة ويتحيّن الفرصة للنيل منه.

وبالفعل, عندما وصل داني إلى باب المدرسة, وجد جلين في انتظاره, زمجر في وجهه وهو يسد الطريق عليه:

- لم أكن أعتقد أنك ستعود للمدرسة يالويس, ليس بعد اللكمة التي أعطيتك إياها.

خطا داني إلى الوراء, قال في عصبية وبكلمات سريعة:

- أترك هذا الأمر يا جلين, لا أريد أي مشاكل معك.

قال جلين وهو ينزع الحقيبة من يده: لقد جاءت المشاكل لك بالفعل.

صاح داني: هاي, ارجع الحقيبة فورا.

ولكن جلين قام بإفراغ محتوياتها على الرصيف, سقطت الأقلام, الكراسات وملابس الرياضة, و... الدمية التي تشبه المهرج.

حدق داني في الدمية باستغراب, كان متأكدا من أنه قد تخلص منها بالأمس, كيف جاءت إلى حقيبته إذن?, قال جلين وهو يهز الدمية أمام وجه داني:

- آه, أليس هذا لطيفا, أحضر لويس دميته إلى المدرسة.

شعر داني بأنظار الجميع وهي متجهة إليه, سمع الضحكات وهي تعلو من بين مجموعة من الفتيات, أحمر وجهه من شدة الحرج, هتف وهو يحاول أن ينتزع الدمية من يد جلين:

- أعطني إياها.

ولكن جلين دفعه, تعثر داني في الحقيبة ووقع على الأرض, شعر بالألم في مرفقه, بدأ الجميع في الضحك, جاءت (مس تيرنر) مدرسة داني مسرعة, وهي تهتف:

- ماذا يحدث, أرجو ألا تكونا قد عدتما للقتال مرة أخرى.

ابتسم جلين وهو يقول: كلا يا مس, لقد كنت فقط أبدي إعجابي بدمية داني عندما تعثر في حقيبته.

وألقى بالدمية بجانب داني, وهمس قبل أن ينصرف:

- سوف أراك مرة أخرى يا لويس.

وقالت المدرسة: حسنا, لا تبق جالسا هكذا طوال اليوم يا داني, جرس المدرسة يوشك أن يدق, التقط أغراضك واذهب إلى الفصل.

انتظر داني حتى انصرفت المدرسة وبقية التلاميذ, جمع كل الأشياء ووضعها في الحقيبة دون ترتيب, كان غاضبا وقد أفسدت عليه هذه الدمية اللعينة يومه, سوف يسخر منه جلين لمدة أسبوع على الأقل لهذا السبب.

كانت الحصة الأولى هي الألعاب المفضلة عند داني واهم ما فيها أن جلين كان يلعب بعيدا مع فريق كرة القدم, وعندما انتهت الحصة, أبدل داني ملابسه وعاد إلى الفصل, وهناك وجد الدمية جالسة على مقعده, وفي نهاية الفصل كان جلين يجلس وهو يضحك ساخرا, وقال داني:

- أنت لا تريد أن تكف عن مضايقتي.

وحمل الدمية وقذف بها نحو جلين, نهض جلين من على مقعده وأمسك بقميص داني وهو يصيح فيه:

- أسمع, أنا لم أضع الدمية هنا, لابد أن هناك من يحاول السخرية منك, ولكنك الآن سوف تأخذ (علقة) مني, سوف أكون في انتظارك في الفناء وقت الفسحة ومن الأفضل أن تكون هناك.

ودخلت مس تيرنر الفصل, أمرتهما أن يجلسا, والتقط داني الدمية, كان يريد أن يلقي بها في وقت الفسحة, ولكنه حين نظر إلى وجهها وجد أن ملامح وجهها قد تغيرت, لم تعد تسخر منه, كانت حزينة, وعندما دق جرس الفسحة, ظل داني داخل الفصل, كان يعرف أن جلين في انتظاره في الخارج, مرة أخرى أحس بالغضب على الدمية, استدار إليها حتى يقذفها خارج الفصل لكنها لم تكن موجودة.

أين ذهبت, كان داني متأكدا من أنها كانت هنا منذ لحظات, ربما جاء شخص ما وأخذها, ولكنه لم يسمع صوت أحد, لا يمكن أن تكون قد سارت من تلقاء نفسها, فكر داني وهو يسير خارجا من الفصل:

- أتمنى ألا أرى هذا الشيء المرعب مرة أخرى.

كان ممر المدرسة مزدحما بالتلاميذ, يشترون الأطعمة من المقصف, أحس داني بمعدته تتقلص, قالت مس تيرنر:

- إذا لم تكن تريد أن تشتري شيئا, اذهب والعب في الفناء الخارجي, لا نريد زحاما في الممر. من العبث أن يحاول مناقشتها, لم تكن تحبه كثيرا, فتح الباب وخطا إلى الخارج, كان جلين واقفا على رأس السلم المطل على الفناء وهو يضم قبضة يده, نظر داني إلى الناحية الأخرى, ربما يستطيع الهرب, وربما يطارده جلين, وفجأة سمع صوت صرخة عالية, نظر داني إلى حيث يقف جلين, كان يسقط في الهواء, يصطدم بالدرجات الإسمنتية, سقط أخيرا أسفل الدرجة وهو يمسك بذراعه ويبكي, وكانت الدمية راقدة بجانبه وهي تبتسم.

تجمع الأولاد حول جلين, نظروا إلى داني كأنهم يلومونه على ما حدث, وجاءت مس تيرنر وهي تعدو, نظرت إلى جلين وهي تهتف:

- ماذا حدث, هل وقعت?

قال جلين وهو يبكي وينظر ناحية داني: لقد دُفعت, دفعني داني, لقد كسر ذراعي, صاح داني: إنه يكذب, لم أكن قريبا منه أبدا.

ولكن وجه مس تيرنر احتقن بالغضب وهي تقول: أنت الذي تكذب, أنا أعرف كم يكره أحدكما الآخر, ولكنك ذهبت بعيدا هذه المرة يا لويس.

قال داني: أقسم أنني لم أدفعه.

ولكنها تجاهلته وهي تقول: عد إلى الفصل, وسوف أتصل بوالدك بالهاتف, وسوف تبقى في المدرسة معاقبا بعد انصراف الجميع.

سار داني, كان يشعر أنه معاقب حيال شيء لم يقم به, تذكر الدمية فعاد للخارج مرة أخرى, كان الجميع قد ذهبوا, ولابد أن جلين ذهب للعيادة, ولم تكن الدمية موجودة, هل أخذتها مس تيرنر, أم أنها سارت من تلقاء نفسها? سار داني وسأل أحد التلاميذ:

- أين ذهبت مس تيرنر?

قال التلميذ: لقد ذهبت إلى مخزن الكتب.

أسرع داني ولكن ما إن اقترب من المخزن حتى سمع صرخة عالية في الداخل, دفع الباب ودخل الغرفة, كانت مس تيرنر متكوّمة على الأرض مغمى عليها والسلم ملقى بجانبها والكتب متناثرة في كل مكان, وفي ركن الغرفة كانت الدمية موجودة وعلى وجهها ابتسامة شريرة.

أعلن مدير المدرسة أن مس تيرنر مصابة وذهبت للمستشفى ولذلك سوف ينصرف التلاميذ مبكرين إلى منازلهم, وكان داني الذي أصيب بالرعب قد أخذ الدمية وغادر المدرسة مسرعا, وفي الطريق إلى المنزل نظر حوله ليرى إن كان هناك أحد يراه ثم ألقى بالدمية في صفيحة القمامة وأهال عليها الأوساخ.

كان أبو داني في حديقة المنزل الخلفية, وكان يستعد لإحراق الأشياء القديمة التي وجدها في العلية, أخبره داني عما حدث لمسز تيرنر ولكن الأب كان سعيدا لأنه عاد مبكرا حتى يساعده في عملية الحرق, وفي المساء, بعد أن انتهى من غسيل أسنانه ولبس بيجامته, صعد إلى فراشه متوقعا أن ينام على الفور من شدة التعب, ولكن في الخارج, كان هناك ظل أسود يتحرك بسرعة فوق العشب, وقف تحت نافذة داني ثم أخذ يتسلق إليها.

استيقظ داني, رفع رأسه ببطء, أسفل الفراش كانت الدمية تقـف وهي ملطخة بالأوساخ, وكانت تمسك في يدها آلة حادة لم يدر داني ما هي, دق قلبه, حاول أن يغطي نفسه بالأغطية, ولكن المهرج قفز للأمام ووجه الآلة الحادة إلى مرفقه, حاول داني أن يصرخ مستنجداً بأبيه, ولكن صوته لم يخرج, استدار المهرج غاضبا, أمسك داني بمصباح المنضدة وقذف به الدمية بكل قوته, حمل المصباح المهرج واصطدم به في الحائط, ولكنه استدار وعاود الوقوف والآلة الحادة مازالت في يده, توقف بجانب الباب ليسد على داني طريق الهرب, قفز داني نحو النافذة, لم يستطع القفز إلى أسفل فصعد فوق السقف, كانت الدمية مازالت خلفه, ووجهها غاضب, صاح داني:

- اذهب عني, دعني وحدي.

ولكن المهرج واصل التقدم نحوه, أحس داني أنه يوشك أن ينزلق من فوق السطح, أمسك بحاجز معدني وهو يصيح: (النجدة), ابتسم المهرج وهو يرى مدى ورطته, اقترب ليضع قدمه على يد داني, ظل داني ممسكا بالحجز المعدني بيد, ومد الأخرى وقبض بها على قدم المهرج, سقط المهرج وسقطت الآلة الحادة من يده, ألقى داني به عاليا في الفضاء, دون صوت سقطت الدمية في الفناء وسط الأغراض المحترقة.

صعد داني إلى السطح مرة أخرى مستخدما كلتا يديه, جلس وهو يرتعد ويصرخ في وقت واحد, نظر إلى أسفل, شاهد المهرج وهو يذوب ببطء وسط اللهب الخافت, صاح وهو يلهث:

- نهاية جيدة.

ولكنه سمع صوتا: ددددانننني... سووووف أعوووووود.

 

 


 

جون جيتهاوس