بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

لماذا نفرت جِمال الأهرام?

أنا جمل... واحد من عشرات الجمال حول الأهرام الثلاثة الموجودة في مصر والتي يزيّنها أصحابها بالسروج البديعة والجلاجل النحاسية وكرات وضفائر الخيوط الملوّنة لإغراء السياح بركوبنا. ألمان وإنجليز وعرب وأمريكيون ويابانيون ومن كل بلاد العالم يجربون الصعود على ظهورنا لنطوف بهم في دورة حول الهرم الأكبر أو الأهرام الثلاثة. نحن - بالطبع - نمشي على مهل حتى لا نفزعهم وهم يعلنون سرورهم الشديد بهذه النزهة العالية المتأرجحة, فيقهقهون كلما تخضخضت أجسامهم, ويبتسمون وهم يلتقطون الصور التذكارية على ظهورنا أو إلى جوارنا.

لكننا في هذا اليوم فزعنا وأفزعنا كل السياح....

والأمر غريب...

بينما كنا نكمل دورة حول الهرم الأكبر فوجئنا بجيش غريب من ألف جندي يسد علينا الطريق فتقهقرنا فزعين وصرنا نبتعد عن الربوة ولم نقبل أن نعود إلى عملنا قبل أن نطمئن.

خلال دقائق سرى خبر فزعنا في منطقة الأهرام وكان لابد من شرح هذا الأمر الغامض.

وأتى مَن يشرح ما يحدث...

(لم يكن هذا جيشا حقيقيا ولم يكن هؤلاء الألف جنودا حقيقيين. بل تماثيل صنعها فنان ألماني بالحجم الطبيعي للبشر والمادة التي صنع منها الفنان تماثيله هي نفايات المدن الكبيرة.

الفنان اسمه هاشولت وقد ولد في برلين عام 1939 ورأى الدمار الذي لحق بمدينته في الحرب العالمية الثانية وجعله هذا يفكر في كيفية تدمير الإنسان لبيئته, وصار من أول الفنانين العالميين الذين اهتموا بنداء (المحافظة على البيئة). الجيش الذي نفرت منه جمال الأهرام هو آخر معارضه الفنية التي دار بها في العالم وسمّاه أهل النفايات. أقام معرضه هذا من قبل على سور الصين العظيم, وفي ساحة تاج محل بالهند, وفي ظلال برج إيفل بباريس, وفي الميدان الأحمر بموسكو.

ماذا يريد الفنان أن يقول بمعرضه الغريب هذا وفي هذه الأماكن التي تؤرخ لحضارات الإنسان?

إنه يريد أن يحذر العالم من الإفراط في الاستهلاك ونمط الحياة التي تملأ الدنيا بالنفايات.

يريد أن يقول إن نفايات الجشع والطمع والترف تهدد حضارة الإنسان.

هذه هي المسألة...).

همم م م... همهمت أنا الجمل ورغبت وهززت رأسي بينما صاحبي يقرّبني ببطء من (أهل النفايات) ومثلي فعلت بقية جمال الأهرام. ثم عدنا نحمل سياح العالم وندور حول الهرم الأكبر. ونتوقف في دورتنا أمام (أهل النفايات).... نراهم جامدين وغريبين ويخيفون حقا!

فهل يفكر البشر في معنى ذلك?

 


 

محمد المخزنجي