الذئب الذي أخاف القمر

الذئب الذي أخاف القمر

رســوم: تريز يوسف ناكوزي

يقال أن الذئاب تعوي كثيراً في الليالي المقمرة, أما لماذا تفعل ذلك فهناك عدة قصص وهذه إحداها:

كانت مجموعة كبيرة من الذئاب تعيش في الجبل, خارج المزارع, وكانت تختبئ في النهار داخل المغاور, وتخرج في الليل, فتهجم على المزارع, تخطف الدجاج, والأرانب, وصغار الخراف والماعز, وتهرب. لم تقدر كلاب الحراسة على أن تقف في وجهها وتمنعها من ذلك.

خاف أصحاب المزارع على مواشيهم وطيورهم. بنى كل منهم سياجا خشبيا عاليا حول مزرعته, فيه باب صغير فقط. في النهار كانوا يتركون مواشيهم وطيورهم ترعى في الحقول, لكن قبل مغيب الشمس, كانوا يدخلونها إلى المزارع ويقفلون أبوابها جيدا.

في الليل, كان كل ذئب يأتي إلى إحدى المزارع وحده, يحاول تحطيم بابها أو القفز فوق سياجها العالي, لكنه لم يكن يقدر على ذلك. جاعت الذئاب لأنها لم تعد تجد ما يكفيها من الأكل.

دعا الذئب الأكبر كل الذئاب إلى اجتماع في أعلى الجبل. جاء الجميع, كبارا وصغارا. قال الذئب الأكبر:

- سوف نهلك من الجوع إذا بقينا على هذه الحال. يجب أن نفكر في طريقة نعود فيها إلى الهجوم على المزارع, لخطف المواشي والدجاج والأرانب.

قال أحد الذئاب: أرى أن نصبر قليلا, فلا نقوم بأي هجوم لعدّة أيام, فيطمئن الناس ويتركوا أبواب مزارعهم مفتوحة.

قال ذئب آخر: وكيف يطمئن الناس وهم يسمعون عواءنا كل ليلة?

أجاب الأول: إذن علينا أن نسكت ولا نعوي أبداً.

قال الثاني ساخراً) أوه, وكيف ننادي بعضنا?

أسكتهما الذئب الأكبر قائلا:

- كفى. عندي فكرة. صحيح أن كلا منا لا يقدر على أن يكسر باب المزرعة وحده, لكن مجموعة من الذئاب تقدر على أن تفعل ذلك, وتخطف كل ما تريده من المواشي والطيور, قبل أن يطردها أصحاب المزارع.

كانت الذئاب الصغيرة تسمع ذلك. قال ذئب صغير اسمه ذؤّوب:

- أنا خائف.

قال صديقه: هيه, أنت جبان.

ردّد الصغار وراءه: جبان جبان... يا جبان, يا جبان...

قال الذئب الأكبر: اسكتوا يا صغار. لن يشارك أحد منكم بالهجوم, ستبقون في المغاور.

سكت الصغار. كان على الجميع كباراً وصغاراً إطاعته.

قسّمت الذئاب الكبيرة إلى عدة مجموعات, وكل منها اختار مزرعة وهجمت عليها, كسّرت بابها, وخطفت بعض الدجاج والأرانب. صحا أصحاب المزارع على أصوات الدجاج والمواشي الخائفة, فأضاؤوا المشاعل ولحقوا بالذئاب بالعصي والحجارة, لكنها استطاعت أن تهرب.

بعدما انتهت الذئاب من تناول العشاء الطيّب, خرج الصغار ليلعبوا وعادوا ليسخروا من ذؤّوب ويردّدون:

- جبان يا جبان... جبان يا جبان...

حزن ذؤّوب كثيرا. ابتعد عنهم ومشى وحده إلى أن وصل إلى مكان بعيد. فكّر بطريقة يثبت لهم فيها بأنه شجاع وليس جبانا كما يدّعون.

رفع رأسه ونظر إلى السماء, رأى فيها بعض الغيوم السوداء المتقطعة وظهر القمر في الفسحة التي بينها. قرر أن يعوي ليعرف رفاقه بأنه لم يخف من الذهاب وحده إلى مكان بعيد. نفخ صدره, كشّر عن أنيابه, ثم رفع رأسه وعوى بأعلى صوته. دهش كثيرا عندما رأى القمر يختبئ وراء الغيمة.

قال: ماذا حصل! هل خاف القمر مني واختبأ?

انتظر خروج القمر من الغيمة وعوى مرة ثانية, فعاد القمر واختبأ وراء الغيمة الثانية. كرّر ذؤّوب ذلك عدة مرات, وما إن يخرج القمر ويعوي هو, حتى يعود القمر ويختبئ وراء الغيم. فرح ذؤّوب كثيرا لأنه استطاع أن يخيف القمر. عاد إلى رفاقه الصغار وقال لهم:

- أنا لست جباناً كما تقولون, أنا قويّ جداً.

قال صديقه ساخراً: أوه. وكيف عرفت ذلك?

- رأيت القمر يخاف مني.

- يخاف منك أنت! (قال صديقه وضحك ضحكة عالية)

- تعال لترى وتتأكد بنفسك. (قال ذؤّوب ذلك ومشى)

لحق به صديقه ومعه كل الصغار. عندما خرج القمر من الغيمة, عوى ذؤّوب بأعلى صوته: عوو عوو.... وعاد القمر إلى الاختباء وراء الغيمة التالية.

- أرأيتم كيف خاف القمر مني? (قال ذؤّوب بثقة)

- هذا صحيح. (قال رفاقه)

قال صديقه: قد يكون القمر انزعج من صوتك العالي فقط, لكنه بالتأكيد لا يخاف منك إذا اقتربت منه.

غضب ذؤّوب وتحدّاه قائلاً: لنذهب كلنا إلى القمر ونرى.

سأله صديقه: وكيف نصل إلى القمر?

أجاب ذؤّوب: إنه يستحمّ في البركة الكبيرة. لقد رأيته عندما كنت عائداً إليكم. عندما وصلوا إلى البركة, كان القمر قد خرج من الغيمة وانعكست صورته على سطح الماء. كان الصغار منشغلين بالنظر إلى البركة, ولم يرفع أحد منهم رأسه ليرى أن القمر مازال في السماء.

في اللحظة التي نفخ ذؤّوب صدره وكشّر عن أنيابه وعوى, هبّت الريح وحرّكت مياه البركة, فاهتزت صورة القمر واختفت, بعدما غاب القمر بين الغيوم المتصلة ببعضها. هطل المطر بغزارة, فركض الصغار للاحتماء في مغارة قريبة.

أخبر الصغار أهاليهم الكبار, بأن ذؤّوب يملك قوّة كبيرة جدّاً, لأنه استطاع أن يخيف القمر بعوائه, ويجعله يرتجف ويختبيء. ضحك الكبار من ذلك وقالوا:

- هذا كلام صغار.

لكن لم يلبث كل من الذئاب الكبيرة أن فكر قليلاً وقال لنفسه:

- ماذا لو كان ذلك صحيحاً?

انتظر كل منهم صفاء الجوّ وطلوع القمر في الليالي التالية, وخرج وحده, دون أن يخبر أحداً, وصار ينظر إلى القمر ويعوي بأعلى صوته ليخيفه, لكن القمر لم يخف, ولم يختبئ. ولاتزال الذئاب إلى يومنا هذا, تحاول أن تخيف القمر, ولهذا تعوي كثيراً في الليالي المقمرة.

 


 

نهى طبـّارة حمـود