حكاية عن وردة

حكاية عن وردة

للشرفة اتساع, وفراغ, برودة في الشتاء, وحرارة في الصيف وتطل على ميدان كبير مزدحم بالسيارات والناس, وفي سمائه بعض الأدخنة.

الشرفة الواسعة يحبها (محمد). ولكن محمد يضايقه الحر في الصيف, ويضايقه أنه لا يرى غير سيارات وناس وبعض الأدخنة!

ماذا يفعل محمد?

محمد كان يدخل إلى حجرته ويغلق باب شرفته ويجلس بين الجدران والسرير والكراسي.

وذات يوم - مهم جدا - وكان في الميدان اشترى صورة ملونة لزهور مختلفة من رجل طيب يبيع الصور.

محمد حدق كثيرا في الصورة. أعجبه شكل الزهور, وتمنى لو أن عنده زهرة. علّق الصورة على الحائط, ولما اقترب منها لم يشم رائحة, أي رائحة للزهور!

ماذا يفعل محمد?

وذات يوم - لا يقل أهمية عن اليوم الأول - كان رجل عجوز يبيع البذور, بالضبط بجوار الرجل الذي يبيع الصور, اشترى محمد بذرة, عرف انها حين تروى بالماء تصير شجرة. رجع, وفرح, ووضع البذرة بحرص في طبق زجاجي مسطح.

كيف تنمو البذرة يا محمد?

محمد نزل إلى الميدان ومن شارع جانبي اشترى إصيصا, واختار أكبر إصيص, وحمله بمشقة, وصعد درجات السلم بصعوبة ووضع الإصيص!

أين يمكن أن يضع محمد الإصيص?

لا يوجد أفضل من هذه الشرفة الواسعة الخالية الحارة. أيضع الإصيص هنا في هذه الزاوية? لا لا.. هنا في هذه الزاوية, لا في المنتصف, بالضبط في المنتصف.

محمد جالس الآن في سعادة بالغة.. لماذا?

أقول لكم.. لأنه ملأ الإصيص الكبير بالطين الملائم للزرع ثم غمره بالماء ثم غرس البذرة في قلب الطين, ودخل حجرته وجلس في سعادة بالغة.

يا محمد.. عليك أن تنتظر وتصبر وتترقب وتحتمل, لأن البذرة لا تنمو في يوم وليلة, ولكن عليك برعايتها.

في الحقيقة لم يغفل عنها محمد, يروي, ويطل, وينتظر. وكلما قلق يفتح باب الشرفة ويدخل. وذات مرة تلفت حوله وسأل نفسه لماذا لا أجلس بجوار الإصيص عندما أحب?

هنا قال محمد لنفسه: عليّ أن أشتري.

ماذا اشترى محمد?

محمد اشترى كرسيا خشبياً مريحاً. ساعة الأصيل يجلس على الكرسي يذاكر ويقرأ ويراقب البذرة. ويشرب الليمون البارد, والشاي الساخن, واللبن المبستر.

والضوء يسطع من النافذة.

انتبهوا اصدقائي الآن.

ففي ساعة أصيل رائعة نظر محمد إلى الإصيص فرأى نبتة صغيرة خضراء خضراء, قفز محمد فرحا. لقد أنبتت البذرة.

في أول فجر فتح باب شرفته - في لهفة طبعا - ودخل بسرعة وانبهر برؤية النبتة الصغيرة الخضراء وهي أكثر اخضرارا وأكثر ارتفاعا.

ومرت صباحات عديدة, وكبرت النبتة, صارت ساقا قوية شديدة تحمل بعض الأفرع الصغيرة كأنها شجرة!! إنها شجرة فعلا يا محمد.

أحب محمد الشجيرة والكرسي والمذاكرة في الشرفة, وأخذ يلاحظ أوراق الشجيرة وهي تنمو, والفروع تتكاثف أوراقها.

يا سلام يا محمد, صارت الدنيا خضراء جميلة, نسي محمد الزحام والحرارة, وجلبت الشجيرة طراوة للوجه. فكر محمد (لا بد أن يرى حسام صاحبي شجيرتي). جميل.. ولكن أين يجلس حسام يا محمد?

اشترى محمد كرسيا ثانيا, ووضعه مقابل الكرسي الأول, هكذا, ولكن ألا ينبغي أن توجد (منضدة) صغيرة يضع فوقها كوب الشاي والكتاب والقلم?! ينبغي.

الآن يستطيع أن يدعو حسام صاحبه, فقد أصبح في الشرفة شجيرة خضراء وكرسيان ومنضدة.

كيف فاتك يا محمد أن تطلي الاصيص?

إذن.. فرشاة.. وعلبة ألوان, ويصير الاصيص.. صار فعلا ملونا وبديعا ومدهشا, وكبرت الشجيرة ومدت أفرعها كأذرع في الشرفة, فأحضر محمد سجادة سميكة وفرشها أرضا, وتمدد عليها, فرأى الوريقات الخضراء تظلل على وجه بحنو ولطف.

بعد الغروب يدخل محمد من الشرفة إلى حجرته.

مصباح كهربي له ضوء أبيض ساطع كأنه البدر علقه محمد في الشرفة. صارت الشرفة سماء ببدر وشجيرة.

في الصباح الباكر - الذي لن ينساه محمد أبدا - انتفض محمد وهزته رعشة الفرح والدهشة.. زهرة.. هذا ما رآه محمد: زهرة حمراء صغيرة مثل شمس على وشك الطلوع.

زهرة!! اقترب ببطء وحذر. لم يشأ أن يمسك بالزهرة. اقترب بأنفه فشم رائحة حلوة.

فرح محمد فرحا لن يستطيع أي كاتب حكايات في العالم أن يصفه, خاصة أن الزهرة تكبر وتكبر وتكبر.

الآن..

محمد يتطلع حوله في الشرفة, ويجلس ممددا فوق سجادة وأمامه كرسيان من الخشب, وفوقه مصباح كهربي كالبدر, وبجواره شجيرة خضراء يانعة, من قلبها تخرج زهرة حمراء مثل شمس.

أنت مسرور يا محمد.. أليس كذلك?

 

 


 

جار النبي الحلو