قدوتي العلمية

قدوتي العلمية

تعالوا نبحث عن الدهشة

أوبير ريفز

ترى, هل هناك سكان في الفضاء الخارجي?

يا له من سؤال محير للغاية, يستبد بأفكار الصغير (أوبير) الذي لا يكف عن التطلع نحو السماء, وهو يردد:

- ترى هل هو عالم صامت, لأنه بعيد... أم?

راح الصغير يتخيل أن هذه الهالة السوداء المرصعة بالنجوم المتلألئة يسكنها أقوام غرباء... انهم سكان الكون, وعندما فاجأه أبوه, وهو يتأمل النجوم فوق سطح المنزل قال:

- هل تعتقد يا أبي أن هناك سكانا في الفضاء, وما شكلهم?

رد الأب: لا أعرف.. ولا أستطيع أن أؤكد لك.

ومن هنا بدأت رحلة البحث, واكتشف الطفل (أوبير) المولود, في مدينة مونتريال بكندا, عام 1936, أن هناك عشرات الأسئلة التي لم تجد أي إجابات بعد عليها.

ويومها قال لأبيه:

- أليست هناك مدرسة للتكهنات?

وضحك الأب, كان يعرف أن أصعب شيء هو أن يرد على أسئلة ابنه بإجابات غير محددة, وعرف أن (أوبير) يتمنى لو كانت هناك مدرسة يجد فيها إجابات لكل الأسئلة خاصة في علوم الطبيعة.

ووجد في هذه العلوم إجابات مؤكدة لأشياء كثيرة.. فالضوء عندما يمر بمنشور, فإنه ينكسر, ويتشتت.

لكن (أوبير) حلم بأن يسافر إلى الفضاء, تخيل نفسه (سوبرمان) يخترق الغلاف الجوي, ويسافر لمقابلة سكان الفضاء.

ومرت الشهور, والسنوات, والتحق (أوبير) بكلية العلوم والطبيعة في (مونتريال), ونبغ الشاب الصغير, وامتلأ بيته الصغير بأجهزة الرصد, التي لم يكف عن استخدامها في التطلع نحو الفضاء.

ورغم أنه صار شاباً, إلا أنه قال لأبيه ذات يوم:

- أشعر كأن شخصا سوف يهبط من أعلى, في طبق طائر.

وظل سنوات طويلة ينتظر هبوط طبق طائر, وراح يقرأ كتبا عديدة تؤكد أن الأطباق الطائرة حقيقة علمية, وليست أوهام بشر, مثلما قال البعض, قال له أبوه:

- العلم, والخيال العلمي تصور تخيلي لما يمكن للعلم أن يحققه.

ردد (أوبير ريفز): أعرف يا أبي.. لذا قررت السفر.

كان عليه أن يبحث عن الحقيقة, وأن يعمق دراسته, فسافر إلى الولايات المتحدة عقب تخرجه عام 1966, ولم يعرف سوى المعامل المتطورة, وتمكن من الحصول على الدكتوراه في نوع جديد من العلوم لم يسبقه أحد للخوض فيه هو طبيعة الفضاء النووية.

وصار نابغة في هذا العلم.

وعاد إلى كندا.. ثم سافر إلى فرنسا, واختارها وطنا ثانيا له, وبدأ سلسلة أبحاث حول طبيعة الفضاء, مستخدما علم النواة.

وفي فرنسا صار مديرا للمركز القومي للبحث العلمي.. ورغم انشغاله فإنه كان يتصور دوماً أن شخصا سوف يهبط إليه, ويقول:

- أهلا بالدكتور أوبير ريفز.. أنا من المجرة المتاخمة للثقوب السوداء.. لكن أحدا لم يأته, ومع هذا لم يكف عن الانتظار, وهو يردد:

- لماذا أحرم نفسي من التخيل الجميل?

تخيل أن الكواكب عقول حية, تفكر بها,وهي تحاول حماية أنفسها من الأخطار الشديدة في الفضاء, فالله سبحانه وتعالى قد وهب لكل نجم وكل كوكب أسرارا, تجعلها قادرة على البقاء في مدارها لسنوات طويلة.

وذات يوم, دخل رجل غريب الشكل إليه, وقال له:

- يا سيد (ريفز).. أنا من تنتظره.

لم يكن في ملامح هذا الرجل ما يوحي أنه قادم من أي كوكب بعيد, وسرعان ما تكشفت الأمور, فهذا الرجل ليس سوى ناشر معروف, جاء يطلب منه أن يؤلف كتابا علميا, وهو يقول له:

- لماذا لا تضع أفكارك في كتاب يقرأه الناس..?

وبعد عدة أشهر ظهر الكتاب الأول من مؤلفات أوبيرريفز تحت عنوان (أفكار في تأمل الطبيعة), قال فيه:

- نعم هناك ثقوب سوداء تبتلع الكثير من المجرات, والكواكب, لكن هناك كواكب عدة, قادرة على الاستمرار.

وقدم المؤلف الكثير من الأسانيد, بأن هناك كائنات عاقلة في الكون من حولنا تحاول الاتصال بنا, وأنها أكثر تطورا من الإنسان, وقد حققت تقدما, وبنت حضارات لن نبلغها إلا بعد ألوف السنين.

وأقبل الناس على شراء الكتاب, فالأسلوب بسيط, والمعرفة غزيرة, مما شجع عالم الفضاء على أن يكتب من جديد, وجاء كتابه (تطور الكون) الذي قدم فيه العديد من النصائح من أجل التلاحم مع الكون:

(تمدد باسترخاء فوق الأرض, بعيدا عن الضوء, وأغلق عينيك تماما وبعد عدة دقائق افتحها ناحية قوس السماء) سوف تصاب بدوخة. وتحس أنك تطير في طبق طائر, وستحس أنك في الفضاء. (حاول أن تتذوق هذه الرحلة التي لن يقوم بها سواك).

ورغم هذه التجربة الفريدة التي يقدمها العالم للقراء, فإنه يقول في كتابه الثالث: (هل للكون حس?) إنه من المهم أن يستيقظ الإنسان مع طلوع الشمس, وأن يدور معها طيلة النهار, فالشمس أصل الطاقة, والمرء يستمد منها الكثير من كيانه.. وشعوره بالاستمرار. فكلما أشرقت الشمس كان هناك تأكيد أن الحياة تستمر).

وبفضل (أوبير ريفز) خرج علم الطبيعة الفضائية النووية من المعامل وصار في إمكان الجميع أن يفهموه, خاصة الصغار, وأهدى العالم أحد كتبه لقارئ صغير جاء لزيارته, وهو يقول:

- (الحياة... لا تصبح جميلة.. إلا بالدهشة).

وعرف الصغير في قدوته العلمية أن الدهشة أساس اكتشاف الحياة, وأن العلماء لا يبحثون عن أسرار الكون إلا من أجل التفتيش عن الأماكن التي توجد فيها (الدهشة).

يومها سكت العالم قليلا, ثم أكمل:

- رغم أنني عالم واقعي.. فإن العلم رسخ من علاقتي بالله.. كما تعلمت أن المصادفة من أجمل ألعاب الحياة.

 


 

محمود قاسم