بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

لو تكلمت الزرافة الصغيرة
لقالت: لا تظلموا أمي

عمري عدة أشهر وأنا طويلة إذا قورنت بكثير من حيوانات البراري الإفريقية. لكنني لا أزال بين سيقان الزراف الكبير التي تصل قامة الواحد أو الواحدة منها إلى ارتفاع ستة أمتار. حتى الآن أواصل الرضاعة من ثدي أمي لأكبر وأستطيع أن أعتمد على نفسي بعد أن أبلغ العام الأول من عمري. وأنا أريد أن أكبر بسرعة ليس من أجل أن أستمتع بالانطلاق وحرية الحركة فقط. بل أيضا من أجل أمي التي يتهمونها بأنها أم مهملة أو مقصرة. صحيح أنها تتركني كل يوم وتغيب طويلا قبل أن تعود لرؤيتي. لكنها تفعل ذلك مضطرة. فهي لابد أن تذهب حتى تلتهم غذاء يكفي لإشباعها وجعل ضرعها يمتلئ بالحليب لأجلي.

وحتى تحقق ذلك لابد أن تذهب بعيدا لتأكل ما يقارب مائة رطل في اليوم من أوراق الأشجار العالية التي تتناثر في البراري الشاسعة على مسافات متباعدة. لماذا لا تأخذني معها في جولة الطعام اليومي الطويلة هذه? هذا سؤال مهم, لأن الإجابة عليه تتضمن دفاعا صادقا عن أمي. فهي لا تستطيع أن تأخذني بصحبتها حتى لا أصاب بضربة شمس قاتلة. لأن نظام توزيع درجة الحرارة في أجسام الزراف معقد كثيرا حتى يكفي لتنظيم الحرارة على مساحة جسمها الكبير الطويل. وهذا النظام لا يبدأ بالعمل إلا بعد مرور عام كامل على مولد كل زرافة. من أجل ذلك تضطر أمي لتركي في مكان ظليل وآمن وتذهب لجمع طعامها الذي يتحول كثير منه في جسمها إلى حليب ترضعني منه. في الشهر الأول بعد مولدي كانت أمي لا تتركني إلا لحظات قليلة. أما بعد ذلك فكان لابد أن تتغيب فترات أطول لجمع غذاء أكثر بعد أن استهلك الحمل والولادة والرضاعة مخزون جسمها. وهي في فترات تغيبها الطويلة هذه لا تتركني وحيدة معرضة للشمس وهجمات وحوش البراري. بل تتركني في حماية اثنتين من الزرافات الشابات (مثل جليسات الأطفال لدى البشر). أتحرك في الظل بين سيقانهما الطويلة. وعندما يكون هناك خطر تنقلانني بعيدا دون أن ينحسر ظلاهما عني حتى لا أصاب بضربة الشمس. وفي نهاية اليوم تعود أمي الحبيبة لتلمسني بحنانها وترضعني حتى أشبع وأكبر. هذا النظام متوارث في عائلة الزراف منذ خلقها الله. وأمي نفسها عندما كانت شابة لعبت دور جليسة أطفال لعديد من الزرافات التي كبرت وصارت الآن شابة وطويلة. والزرافتان الشابتان اللتان ترعيانني في غياب أمي من بين الزرافات التي اعتنت أمي بها وهي شابة. إنها أدوار تؤديها الزرافات بإخلاص وحب منذ خلقها الله حتى تحافظ على نوعها وتستمر في الحياة جيلا بعد جيل.

 


 

محمد المخزنجي





لو تكلمت الزرافة الصغيرة لقالت: لا تظلموا أمي