جدو عبدو والكمبيوتر

جدو عبدو والكمبيوتر

هذه القصة لن يقرأها اللصوص, لأنهم ليسوا بين قراء مجلتنا, وإذا حدث أن وقعت بين أيدي واحد منهم, فإنه لن يستفيد منها, إذ لابد وأن يخطئ, فما من جريمة كاملة, كما يقولون. وسوف يقع يوما ما في أيدي الشرطة, ويلقى به في السجن, ونرجو القراء الأذكياء ألا ينقلوا هذه الفكرة, كي لا تصل إلى سمع أحدهم, ولقد كتم مشاهدو مسرحية أجاثا كريستي (المصيدة) سرها أكثر من عشرين عاما, وقراؤنا قادرون على أن يفعلوا هذا.

عندما دعى جدو عبدو حفيده يوسف إلى بيته الخلوي الهادئ البعيد عن الزحام, سعد الصغير بالدعوة, فليس أحبّ إليه من أن يقضي بضع ساعات معه, كما أن بيت جدو هذا في حقيقة الأمر لم يعد بيتا بالمعنى القديم للبيت, لأنه تحول إلى معمل ومكتبة ودار سينما, و...

وتساءل يوسف عن السر في هذه الدعوة المفاجئة, ولم يكن يدري أن وراءها خبرته الكبيرة بالكمبيوتر, وهو أمر أخفاه جدو عبدو, إذ يحاول دائما أن يبدو كأنما خبرته في هذا الجهاز لا تقل عما يتمتع به يوسف, لكنه - أي جدو - بين حين وآخر يعترف أن المسافة بينهما واسعة وكبيرة, خاصة أن الكثير من خبراته هذه علمها على يد حفيده (يوسف), الذي بدأ مع الكمبيوتر وهو ينطقه (كمبيوتل)!

وعندما وصل يوسف إلى بيت جدو, استقبله في حفاوة, مرحّبا بالعبقري الصغير, الذي قام كالمعتاد بالتجول في أرجاء البيت ليرى ما أحدثه جدو من تغييرات, وكان يدهشه ذلك, إذ أنه ما من مرة إلا ورأى جديدا.

- أراك يا جدو وضعت صورة (دارون) بجانب صورة (أينشتين) و(مصطفى مشرفة), ما السر؟

- جميل أن تنبهت لهذا...

- أعرف... أنك لا توافقه في الكثير مما جاء به في نظريته؟

- نعم... كما لا أوافق على ما يتناقله الناس عن أنه قال إن الإنسان أصله قرد...

يضحك يوسف ويقول: اللهم إلا في حالتي الخاصة جدا!

يقهقه الجد, ويقول: لم يقل الرجل هذا الكلام, بالضبط, لكن ملاحظته الخاصة بالتطور جديرة بالاحترام, وأنت تعرف أني مؤمن بالله إيمانا عميقا, لكن الناس يتطورون, وأيضا عليهم أن يتطوروا ويطوّروا من حياتهم.

رمى يوسف ببصره إلى جانب من الغرفة, فلمح حقائب سفر.

- هل تبدأ يا جدو رحلة سفرك الصيفية مع جدتي؟

- نعم, أنت لا شيء يفوتك, وعلى فكرة دعوتك إلى هنا لهذا السبب.

- ما علاقتي بالأمر؟!

- أكثر ما يزعجني يا يوسف أثناء سفري أن يفكر اللصوص في اقتحام البيت عندما يتنبهون إلى غيابنا...

لم يفكر يوسف طويلا, وفاجأ جدو عبدو بقوله:

- ليس هناك أيسر من ذلك.

هتف الجد: حقا؟ هل من سبيل لذلك؟

- نعم...

- ما هو؟

- الكمبيوتر, يا جدو.

تطلع إليه جدو في اهتمام كبير, وهتف...

- ماذا؟ الكمبيوتر؟!

- إنه أروع حارس لبيتك ليلا...

- ستجعل من الكمبيوتر (خفيرا).

ضحك يوسف وقال: خفيرا وعمدة أيضا!

قام يوسف, بعد أن داعب أزرار الكمبيوتر, واتجه إلى لوحة توزيع الكهرباء في البيت, وقال وهو يفحصها بعينيه....

- إنها حديثة... وصالحة لتطبيق فكرتي... يا جدو.

- لم تشرح لي تفاصيل ما ستصنع, الكمبيوتر لا يعمل إلا بالكهرباء, هل من صلة أخرى بها؟

- نعم, اربطه بالشبكة, واجعله يضيء كل أرجاء البيت في الساعات الأولى من الليل.

- قد يستهلك ذلك الكثير من الكهرباء.

- من حسن الحظ أنكم لا تسهرون كثيرا, لذلك فإن الإضاءة على هذه الصورة لن تطول, سوف أجعله يطفئها في العاشرة, أو بعدها بقليل, وبين حين وآخر يضيء المطبخ, كأنما هناك من ذهب إليه ليشرب, ثم يطفأ بعد قليل لكي يضيء الحمام.

كان الجد مذهولا بهذا الذي يسمعه, وعيناه تنظران إلى (يوسف) في إعجاب منقطع النظير.

- قد نحتاج يا جدو إلى عامل, كهربائي, من أجل بعض توصيلات أشير بها عليه.

ضحك الجد, وقال:

- عامل؟! لدينا في البيت هنا مهندس من خريجي كلية الهندسة قسم كهرباء, ألا يصلح؟

من هو؟

- جدتك...

قال يوسف: فاتني هذا...

استدعيت الجدة, وكانت تقرأ كتابا ممتعا, لذلك احتجت, لكن عندما علمت بالفكرة والمهمة التي ستوكل إليها ابتهجت, وقالت:

- هذا عمل يتطلب السرية, يجب أن أقوم به بنفسي.

أضاف يوسف: وسنجعل الراديو والتلفزيون يعملان بعض الوقت, ونملأ البيت بالموسيقى والأغنيات.

هتف جدو عبدو: جميل رائع... أحسنت.

وتحوّل الكمبيوتر إلى خفير رائع, وعين يقظة لحراسة بيت جدو والجدة, اللذين سافرا إلى المصيف في اطمئنان كامل إلى هذا الحارس الذي لن تغمض له عين وسيكون طيلة الليل ساهرا, ينبئ الجميع بأن أهل البيت بداخله, يتحركون, ويتنقلون ما بين حجراته ومطبخه والحمام, ويسمعون الموسيقى والأغاني والتمثيليات.

 


 

عادل البطراوي