جزيرة اللؤلؤ

جزيرة اللؤلؤ

كان المركب في عرض البحر عندما هبّت عاصفة كبيرة. صارت الأمواج كجبال عالية جرفت المركب بعيدا نحو الصخور, فاصطدم بها وتحطم. صار الركّاب يصرخون من الخوف, وصاح القبطان:

اتركوا المركب حالا, إنه يغرق.

قفز كل من كان على المركب إلى الماء, ومن بينهم كان (أبو سمير) وابنه الصغير سمير. سبحا إلى أن تعبا كثيرا, لاحظ الأب أن ابنه على وشك الغرق, فأسرع إليه وساعده, رأى عن بعد إطارا من المطاط, جرّ ابنه وألبسه إياه, ثم أمسك بالإطار تاركا للموج أن يأخذهما إلى أي مكان, بعدما فقدا القدرة على السباحة. جرفتهما الأمواج بعيدا ورمتهما على شاطئ جزيرة صغيرة. ناما ساعات طويلة, ولم يستيقظا إلا عندما اشتدت حرارة الشمس.

سأل سمير والده: أين نحن?

التفت الأب حوله فرأى أشجارا عن بعد. قال:

- يبدو أننا في جزيرة. لنذهب إلى تلك الأشجار, ربما نجد بعض الثمار لنأكل.

وجدا أشجار تفاح وإجاص وغيرها من الأشجار البرية المثمرة. قطفا منها وأكلا حتى شبعا, وشربا من نبع ماء قريب إلى أن ارتويا, خلع الأب قميصه وفرشه على الأرض, ثم قطفا الكثير من الفاكهة ووضعاها عليه, جمع الأب أطراف القميص وربطها قائلا:

صرّة الفاكهة هذه تكفينا إلى الغد. لنعد الآن إلى الشاطئ, وننتظر مرور مركب أو سفينة تعيدنا إلى بلادنا.

حمل الأب الصرّة ومشى, لحقه ابنه وساعده بحملها.

صباح اليوم التالي, وفيما كانا نائمين, اقترب منهما رجلان يحملان حبالا, أمسكا بيدي الأب وابنه وأخذا يربطانهما. أفاقا ونظرا إلى الرجلين بخوف. قال الأب:

- لماذا تربطاننا?

أجاب الرجل الأول: لكي نأخذكما إلى حلال المشاكل, هو المسئول هنا.

قال الأب: لكننا لم نفعل شيئا, ولا ننوي البقاء هنا. سنعود مع أول مركب يمر بالجزيرة. ضحك الرجلان وقالا: لا. تعالا معنا. هيا بنا.

كان حلال المشاكل رجلا سميناً, يلبس سروالاً فضفاضا فقط, ويضع على رأسه إكليلاً من ورق الشجر, ويجلس بالقرب من تلة من القش. سأل الأب:

كيف جئت إلى هذه الجزيرة البعيدة أنت والصغير?

أجاب الأب: تحطم مركبنا وجرفتنا الأمواج إلى هذه الجزيرة, وننتظر مجيء سفينة أو مركب لنعود إلى بلادنا.

قال حلال المشاكل: لا تنتظر. لن يمر شيء من هنا, لأن هذه الجزيرة صغيرة جدا وليس فيها شيء للتجارة. ماذا تعمل?

- أعمل بصناعة السفن, وكنت في طريقي إلى العمل في المرفأ الكبير عندما حلت بنا الكارثة.

قال حلال المشاكل: حسنا, سأسمح لك بالبقاء, فهذه الجزيرة صغيرة ليس فيها إلا نبع ماء يكاد يجف من قلة الأمطار, لذا لن نبقي فيها إلا من يتقن عملا, أما ابنك فيجب أن يرحل.

تعجب الأب وقال: يرحل! إلى أين?

إلى البحر.

أمر حلال المشاكل الرجلين بوضع الولد في مركب صغير وتركه في البحر. ما إن حملاه حتى هجم الأب ليخلّصه, لكنهما دفعاه. صرخ سمير قائلا:

- اتركوني, أنا أتقن عملا.

قال حلال المشاكل بسخرية:

- أوه... وما هو هذا العمل?

قال سمير: صنع السلال. فكوا يديّ لأريكم.

ما إن تركاه حتى أسرع سمير إلى تلة القش, انتقى بعضا منها وابتدأ بصنع سلة صغيرة, فيما كان الجميع ينظرون إليه بدهشة, بمن فيهم والده, عندما انتهى من صنعها, قدمها إلى حلال المشاكل قائلاً:

- تفضل يا سيدي. سأصنع لكم سلالا كثيرة من كل الأحجام.

أمسك الرجل بالسلة: نظر إليها بإعجاب وقال:

- من علّمك هذا?

أجاب سمير: كنت أراقب جدتي وهي تصنع السلال, وأساعدها في بعض الأحيان لكي تروي لي حكايات جميلة.

- نحن بحاجة إلى السلال لكي نجمع فيها الفاكهة والسمك, ستبقى في الجزيرة شرط أن تعمل هذا بقربي.

قال سمير بفرح: شكرا يا سيدي.

بعدما اطمأن الأب على ابنه, ذهب مع الرجلين ليعمل بصنع المراكب.

طلب حلال المشاكل من سمير أن يعلمه صنع السلال لأنه يضجر من البقاء وحيدا طول النهار. سأله سمير لماذا لا يعمل مع الرجال عندما يضجر, فأجابه قائلا:

لا أستطيع ذلك لأنني المسئول هنا, اعمل على تسوية الخلافات ومعاقبة المذنبين. أنا أحسد الذين يعملون ويتعبون لأنهم يجدون لذة في الأكل والراحة, أما أنا فأضجر من الأكل والراحة.

سأله سمير: وهل يعمل الجميع ببناء المراكب?

أجابه: لا. قسم من الرجال يصطاد اللؤلؤ والقسم الباقي يصطاد السمك ويجمع الفاكهة ويطهو الطعام للجميع. عندما تصبح المراكب جاهزة للسفر, أقسّم اللآلئ على الجميع بالتساوي كما اتفقنا, ونذهب بالمراكب إلى الجزيرة الكبيرة ومن هناك نعود بالسفن الكبيرة إلى بلادنا.

كل يوم كان سمير ينهي عمله ويذهب إلى حيث يعمل والده مع الرجال, في الجهة الأخرى من الجزيرة, ويتناول الطعام معهم, وفي الليل ينام مع والده على الشاطئ, في المكان الذي كانت الأمواج قد قذفتهما إليه. مرّت شهور عدة وأصبحت المراكب جاهزة, فتقرر السفر فجر اليوم التالي. فرح سمير كثيرا ولم يستطع النوم.

قال الأب: يجب أن تنام الآن. لا تخف, سأوقظك قبل الفجر.

قال سمير: أرجوك يا أبي, دعنا نذهب الآن وننام مع بقية الرجال, قد نغط في النوم ولا نصل في الوقت المحدد, فتبحر المراكب ونبقى هنا, تذكّر بأن علينا أن نمشي مسافة طويلة قبل الوصول إلى المراكب.

- حسنا. هيا بنا.

مشى الأب وابنه, كان نور القمر ينير طريقهما, سارا بين الأشجار, داس سمير على بعض الأغصان الجافة المرميّة على الأرض فعلقت رجله, اقترب والده ليساعده, فأبعد الأغصان واستطاع سمير أن يخلّص رجله, لكنهما فوجئا بوجود جرّتين مليئتين باللآلئ تحت الأغصان.

قال الأب: يبدو أنه مخبأ اللآلئ التي يصطادها الرجال, والتي ستقسّم على الجميع اليوم.

سمعا عن بعد وقع أقدام على أوراق الأشجار الجافة التي تغطي الأرض. همس الأب قائلا: لنختبئ بسرعة لكي لا نتهم بالسرقة.

أعادا الأغصان فوق الجرار, واختبآ خلف الأشجار, اقترب رجلان من الجرار وقال أحدهما: يجب أن ننقلها بسرعة قبل أن يصحو أحد.

همس الأب بإذن ابنه قائلا: إنهما يعملان معي بصنع المراكب.

همس سمير قائلا: يجب أن نخبر حلال المشاكل حالا.

هزّ الأب رأسه موافقا. وصل رجل ثالث وسأل الرجلين:

- هل جهّزتما المركب?

أجابا معا: كل شيء جاهز, وهذه آخر نقلة, لقد نقلنا الجرار الأربع قبلهما.

- حسنا. سأجلب الماء وألقاكما أمام المركب, فنأخذ اللآلئ ونهرب قبل أن يشعر بنا أحد.

همس الأب قائلا: إنه صديقهما, ويعمل بصيد اللؤلؤ.

ذهب الثالث باتجاه الغابة, فيما حمل الرجلان الجرّتين وسارا نحو الشاطئ.

خرج الأب وابنه من مخبئهما. قال الأب:

- عندي خطة لمنعهم من السرقة, لكن يجب أن يساعدني حلال المشاكل وبقيّة الرجال بتنفيذها في أسرع وقت.

عند منتصف الليل, وعندما صعد الرجال الثلاثة إلى المركب فوجئوا بأنوار كثيرة تضاء دفعة واحدة وتحاصرهم من كل جانب, وكل المراكب تتحرّك وتقف أمامهم لتمنعهم من الإبحار. اقترب حلال المشاكل مع والد سمير وبعض الرجال, قبضوا عليهم وأعادوهم إلى الشاطئ, حيث ربطوا أيديهم وأرجلهم بالحبال, ثم نقلوا الجرار إلى الشاطئ. اقتسموا اللآلئ بالتساوي فيما بينهم, بعدما حرموا الطمّاعين الثلاثة من حصتهم, وتركوهم على الجزيرة مع الجرار الفارغة.

أبحر حلال المشاكل وبقية الرجال مع الأب وابنه سمير, على كل المراكب, إلى الجزيرة الكبيرة, ومنها إلى بلادهم على متن السفن الكبيرة.

عندما وصل الأب وابنه سمير إلى بيتهما, وجدا الأم حزينة, تلبس ثياب الحداد بعدما علمت بغرق المركب الذي ذهبا فيه إلا أنها فرحت كثيراً لعودتهما سالمين. رويا لها ما حصل, ثم أهداها الأب بعض اللآلئ قائلا:

- غدا سأبيع كل اللآلئ لنحصل على المال الذي طالما حلمنا به.

- قال سمير: هذا شيء جيّد, لن نعود بحاجة إلى العمل بعد الآن ياأبي.

أجاب الأب: لا يا بنيّ, بل سأعود إلى العمل بصنع المراكب وسأعلمك إياها. مهما كان الإنسان غنيا, عليه أن يتعلّم مهنة تفيده في وقت من الأوقات, أليس كذلك يا سمير?

قال سمير: هذا صحيح يا أبي. (نظر إلى أمه) لقد اختبرت ذلك بنفسي يا أمي وسأخبرك بعدما نرتاح من السفر.

 


 

نهى طبارة