قدوتي العلمية

قدوتي العلمية

جون دنلوب سر السباق العجيب

كل المخترعين في العالم اكتشفوا اختراعاتهم عندما صاروا كبارا.

راحوا يدرسون, ويبحثون.. ويفكرون.. وتقدم بهم الزمن, وبعد جهد طويل توصلوا إلى اختراعات تفيد البشر, أو اكتشفوا مبتكرات جديدة لم تكن معروفة من قبل.

كلهم.. عدا واحد فقط.

إنه جون دنلوب.. الطفل الاسكتلندي , المولود عام 1840 في مدينة بلفاست. اشتهر بين زملائه بحب المغامرة, وعشق الغموض, وسباق الدراجات.

سباق الدراجات.. يا له من أمر محفوف بالمخاطر في تلك الآونة.

حدث ذلك عام 1851, أي والصغير في الحادية عشرة من العمر, جاءه صديقه (مارك) وسأله:

- جون.. ألن تشترك في السباق النهائي?

لم يفكر.. جون بويد دانلوب بالمرة, وقال بكل اندفاع:

- طبعا سوف أشترك.

وفجأة تراجع, ففي السباق الأخير سقط عن دراجته.كان سباق الدراجات ذوات العجلات الثلاث منتشرا بين الأطفال, والصبية, والشباب في ذلك الوقت, إلا أنهم كانوا يتعرضون للكثير من المتاعب.

فلم تكن الدراجات بالصورة نفسها التي نعرفها نحن أبناء العصر الحديث, كانت عجلات الدراجات تتحرك فوق إطارات من المطاط الصلب, وفي السباق الأخير, سقط فوق الأرض العديد من المتسابقين بسبب خشونة الإطارات. وكان جون منهم, وأصيب بكدمات مؤلمة, ويومها قال له أبوه:

- أحب أن أراك مغامراً وبطلاً في سباق الدراجات, لكن ألا يكون الثمن كما أرى. وأشار إلى وجه ابنه, ونظر (جون) في المرآة.. وردد في داخله:

- لكنني أحب السباق.

كان (جون) يعرف ان الدراجة قد تطورت في السنوات الأخيرة, خاصة في بريطانيا, حين نجح العلماء في عمل أسطوانتين صغيرتين, وبدال, يمكن للعجلة الخلفية, أن تدفع بالأمامية, فتتحرك نحو الأمام بقوة. حين يقوم بتبديل قدميه فوق البدال.

واستفاد (جون) من قراءاته المتعددة, وعرف أن العالم (هانس) السويسري الذي يعيش في بريطانيا, هو الذي اخترع الجنزير الذي كان السبب الرئيسي في تطور الدراجات فهذا الجنزير الذي يربط بين الترسين, يولد الحركة السريعة.

وقرأ جون أن تطوير الدراجات إلى الحد الذي توصلت إليه في عصره لم يكن بفضل عالم واحد فقط, بل ابتكارات وأفكار العديد من العلماء.

هناك عالم أضاف العجلات ذات الأسلاك, حتى تصبح أخف حركة.

وهناك عالم آخر أضاف مقعدا يستند إلى يايات مريحة.

وهناك عالم ثالث أضاف الفرملة المركبة في البدالة التي تعمل لإيقاف الدراجة عند اللزوم.

وصار استخدام الدراجة ذات العجلتين سهلا.أما بالنسبة لـ (جون) فالدراجة لا تزال تمشي فوق إطارات من المطاط الصلب, وكثيراً ما تسبب المتاعب, خاصة إذا انطلقت فوق أرض خشنة.

راح يفكر, ويستشير أباه الطبيب البيطري.

كان الأب يعرف كيف يفكر ابنه, فهو لا يريد أن يكون الفائز الأول فقط, بل يريد أن تكون المسافة بينه وبين الفائز الثاني كبيرة للغاية.

لكن, ترى كيف يتم ذلك? راح ينظر حوله, ولم يجد حلا, وأحس بأن الوقت يأتي ضده, وأنه لن يكون الفائز الأول, خاصة أن المتسابقين أكبر منه سنا, ولديهم عضلات قوية.

وفجأة, عثر على الحل, فوق الأرض.

إنه خرطوم المياه الموجود في الحديقة, إنه الحل الوحيد.

أسرع إلى الخرطوم, قطعه إلى قطعتين كبيرتين, ولف قطعة منهما حول العجلة الأولى, ولف الثانية حول العجلة الأخرى, بعد أن نفخهما بقوة,

ثم قام بلصقهما بواسطة لاصق متين.

وصرخ من الفرحة.

وانطلق إلى أبيه, الذي قال سعيدا: رائع, الحاجة أم الاختراع, لديك الآن اختراع مدهش, ويجب أن تفوز, لكن احتفظ بسرك لنفسك.

وجاء يوم السباق, واحتشد الأصدقاء, والجمهور. لم يلحظ أحد شيئا إلا أن واحدا من الحاضرين صاح:

- يا إلهي, هذه الدراجة لا تنطلق, بل تنزلق.

وانطلقت الدراجة بشكلها الجديد, وسط شوارع المدينة ووسط التصفيق الحاد, فها هو الصبي الصغير (جون بويد دنلوب), يندفع نحو الخط النهائي للسباق, بسبب اختراعه العجيب, إنه أصغر مخترع عرفه العالم.

وربح (جون) السباق, وكانت المسافة طويلة بينه, وبين الفائز الثاني.

وبعد عدة شهور, زاره أحد أبطال السباق, وقال له:

- عزيزي (جون) يجب أن تسجل هذا الاختراع.

وراحت الصحف تكتب عن الإطارات الجديدة, المنفوخة بالهواء, وعن مميزاتها, وانتشرت في البلاد, مما دفع بأحد رجال الأعمال إلى أن يزور الصبي, وقال له:

- سوف نفتح مصنعاً كبيراً للإطارات المطاط الهوائية, وستحمل اسمك, هنا قال الأب, لرجل الأعمال:

- سيدي.. لا تنس أن ابني لا يزال طفلا, وهو لا يفهم كثيرا في لغة المال.

ورغم ذلك, فإن اسم الصغير ذاع في كل أنحاء أوربا, ولا يزال هذا الاسم ملتصقا بابتكارات الإطارات في أنحاء العالم.

 


 

محمود قاسم