الإسلام حضارة.. هيثم صبري

الإسلام حضارة.. هيثم صبري

كثيرًا ما نسمعُ عن الآثار الإسلامية أنها لم تكن مخصصة فقط لأداء المناسك والعبادات. وحين أنشئت المساجد أضيف إليها الكثير من الوظائف فأصبحت مساجد ومدارس وبيوتًا ومستشفيات ودورًا للحكم والقضاء.

المسجد مدينة إسلامية مصغرة

من هذه المعالم الإسلامية في مصر مسجد ومدرسة السلطان قلاوون وقبته (683-684 هجرية = 1284-1285ميلادية) وقد حكم بيت قلاوون مدة طويلة من الزمن ازدهرت فيها العمارة الإسلامية بمصر ازدهارًا عظيمًا وأصبح لها طابع خاص تتميز به عن غيره فى سائر الأقطار. وإذا تناول الكلام وصف هذا المسجد فلا بد من ذكر القبة المقامة أمامه والبيمارستان - المستشفى - الذى يكون مع المسجد. والقبة مجموعة معمارية نادرة المثال، وكان البيمارستان واسع الأرجاء فسيح الجنبات اشتمل على كثير من الأقسام لعلاج الأمراض المختلفة وألحق به صيدلية لتركيب وصرف الأدوية للمرضى كما خصص به مكان لتدريس الطب، وجعل المنصور قلاوون هذا البيمارستان مشاعا للغني والفقير، وهو كما وصفه المؤرخون يعتبر من مفاخر مدينة الشرق فى القرون الوسطى.

وكثيرٌ من المساجد لها مدارس ملحقة بها، مثل مدرسة قايتباي، ومدرسة الغوري وسواهما. وإذا عدنا إلى مسجد ومدرسة قلاوون، سنجد أن بها أيضا مدفنًا له بابان يؤدى أحدهما إلى صحن مكشوف أهم ما يسترعي النظر فيه الزخارف الجصية البديعة التى تحلي مدخل القبة. والباب الثانى يؤدي إلى المدفن رأسا يغطى الجزء الأوسط منه قبة محمولة على أربع أكتاف وأربعة أعمدة من الجرانيت ذات التيجان المذهبة. أي أن المكان أيضا كان مدرسة ومسجدا ومستشفى وضريحا!

ويكسو جدران هذا الأثر الإسلامي من الداخل الرخام الملون والخردة الدقيقة المطعمة بالصدف يعلوها طراز مكتوب عليه بالذهب آيات قرآنية. أما محراب المسجد فإن ما حواه من دقة صناعة الرخام وما اشتمل عليه من رسومات هندسية بديعة تجعله فى مصاف أجمل المحاريب فى مصر.

ويزين الجدران من أعلى، شبابيك من الجص المفرغ المحلى بالزجاج الملون المشتمل على رسومات جميلة، والسقف الذى يحيط بالقبة بعضه مقسم إلى أشكال هندسية والبعض الآخر إلى مربعات ونقشت جميعها بالألوان المختلفة يتخللها تذهيب (رسوم ذهبية) زادها روعة وبهاء.

ويقابل بابي المدفن بابان يؤديان إلى المسجد الذي خطط على نظام المدارس وهو مكون من إيوانين متقابلين يطلان على صحن مكشوف أكبرهما إيوان القبلة الذى تتكون واجهته من ثلاثة عقود محمولة على عمودين من الرخام.

أما واجهة هذه المجموعة الأثرية المشرفة على شارع المعز لدين الله ففريدة فى نوعها وتتكون من قسمين، البحرى منهما وهو الواقع يمين الداخل من الباب الرئيسي يكون واجهة المدفن الذي تغطيه القبة آنفة الذكر وبنهاية هذه الواجهة تقوم مئذنة ضخمة ذات ثلاث طبقات جددت أيام الناصر محمد بن قلاوون سنة 703 هجرية 1303/ 1304 ميلادية، عقب سقوط أعاليها بزلزال سنة 702 هجرية - 1303 ميلادية والقبلي منها وهو البارز عن سمت وجهة المدفن تتألف منه وجهة المدرسة.

ويلاصق الوجهة البحرية للمدرسة على يسار الداخل سبيل صغير أنشأه السلطان الناصر محمد على روح والده المنصور قلاوون. والسبيل بناء يسيل منه الماء عبر صنبور لسقاية الناس. وهي إضافة أيضا إلى دور المسجد، ذلك المدينة الإسلامية المصغرة.

 


 

هيثم صبري