عندي ذكريات

عندي ذكريات

في العيد اجتمعت العائلة الكبيرة كعادتها، الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وأبناؤهم في بيت الجدّ إبراهيم كبير العائلة. وكانت الأحاديث تتنقل بين الرجال في مواضيع شتى، وكان الجد إبراهيم يتحدث عن ذكرياته وما أغزرها، فإن السبعين من عمره قد سجلت الكثير من الأحداث في ذاكرته، وكان الآخرون يصغون إليه ويعلقون.

التفت الجد إلى حفيده هشام باسمًا وسأله مازحًا:

هل عندك ذكريات يا هشام؟

ابتسم هشام وقال: أجل - يا جدي - عندي ذكريات.

ضحك الكبار، فقد كان هشام طفلا في الصف الأول الابتدائي.

قال عمه باسل: عجبًا ماذا يتذكر هشام وهو في عمره الصغير هذا؟ ثم هزّ رأسه وواصل: طيب يا هشام، احك لنا شيئًا من ذكرياتك.

وقف هشام أمام الجميع كما يقف في الصف أمام التلاميذ حينما ينشد قصيدة وقال:

- عمري ست سنوات، وأنا في الصف الأول.

سألني جدي: هل لك ذكريات وأنت طفل صغير وعمرك مازال صغيرًا، ولم يلحق الزمن بعد أن يسجل لك ذكريات؟

- أجل يا جدي عندي ذكريات.

فأنا أتذكر كيف بشّرتني عمتي بميلاد أخي الثالث في العام السابق، كان يصرخ، ملأ البيت صراخًا، فقلت لعمتي: لماذا يصرخ أخي؟

ضحكت عمتي ولم تجب.

- أنا أتذكر كيف قصّ الحلاق شعري أول مرة، واحتفظت أمي بخصلات شعري الأصفر في علبة زرقاء، أجل يا أعمامي... ويا أخوالي عندي ذكريات.

- أنا أتذكر أصدقائي نوّار وياسمين وبشار، كنا نلعب في الروضة لعبة الاختفاء، ثم تطير بنا المرجوحة في الهواء، فتقول لنا المعلمة: مهلا يا أولاد، الآن أسمعونا نشيدًا للوطن، فكنا ننشد ونغني ونلعب ونركض وراء الفراشات والعصافير، أجل يا جدي عندي ذكريات.

- أنا أتذكر كيف ذهبنا في سفرة إلى مدينة الألعاب، وركبنا هناك الحصان والسيارة والطيارة، والبعير قال لنا معاتبًا: لماذا ابتعدتم عني يا أولاد؟ فأنا سفينة الصحراء.

أجل يا عمّاتي ويا خالاتي عندي ذكريات.

- أنا أتذكر كيف كانت أمي تمشّط شعري وهي تحكي لي حكاية الأرنب والسلحفاة، والأسد والفأر، وليلى والذئب، والخروف العنيد، والحمامة والثعلب.

أجل يا جدي، أنا عندي ذكريات.

وبعد أن انتهى هشام من حكاية ذكرياته، انحنى أمامهم، فصفّق له الجميع وهم ينظرون إليه بإعجاب.

وقالت عمته نهاد: حقًا...إن للأطفال ذكريات.

الجد: ليتك يا بني تكتب هذه الذكريات الجميلة في مفكرة يومياتك، حتى ترويها على أحفادك بكل دقة.

 

 


 

زهير رسّام