قدوتي العلمية

قدوتي العلمية

عبدالرحمن الداودي
حول بيتنا.. أشجار وزهور

صعد الطفل الصغير عبدالرحمن، إلى التل الأخضر الذي يطل على قريته الأندلسية، وشهق من الإعجاب، والدهشة وقال: يا إلهي.. كل هذه نباتات خلقها الله سبحانه وتعالى..

لم يكن له أن يشاهد هذا التنوع من النباتات، والمزروعات الخضراء، إلا إذا تمكن من الصعود إلى أعلى التل، راحت الريح تصفر من حوله، لكن عينيه الحادتا البصر، تمكنتا من رؤية كل هذه النباتات، وراح يردد:

- لا بد أن الله خلقها لحكمة.. خاصة.

حدث ذلك في عام 439م، حين كان عبدالرحمن الداودي في الثانية عشرة من العمر، وهو الذي ولد في بيت صغير وسط المزروعات، حيث اهتم أبوه بزرع الزهور، وأشجار الفاكهة وبعض الخضراوات في الحديقة المحيطة بالبيت.

ومثلما تربى على تعلم الكلمات الأولى، كانت أسماء الأشجار والنباتات من بين هذه الكلمات التي تعلمها، وكان يرقب النباتات، وهي تتحول في ألوانها، من الأخضر إلى الأصفر، وكان في أشد الدهشة، وهو يرى الثمار تخرج من بين الأشجار متعددة الألوان، فالطماطم حمراء، والخيار أخضر، والقمح أصفر، والتفاح له ألوان عديدة.

سأل أباه يومًا: لماذا تتعدد ألوان النباتات؟

رد الأب: هذه حكمة الله سبحانه وتعالى، خلق لنا النباتات لنتغذى عليها، وأيضا لنتداوى بها.

ورنت الكلمة في أذنه «نتداوى»، وعرف أن للنباتات فوائد، فلا شك أن ما يأكله الإنسان يفيد جسمه في النمو، وها هو قد صار كبيرًا الآن، بفضل التهامه الثمار الطازجة النظيفة.

لكن هناك الكثير من النباتات، لا يأكلها الإنسان.

لكن لا شك أن حكمة الله جعلت منها فائدة.

لذا، فإن عبدالرحمن.. راح يبحث عن علماء النبات في الأندلس، حيث يعيش، وهو ابن قرطبة، وأهداه بائع الكتب، أو بائع القراطيس كما كان يسمى في ذلك الحين، كتابًا عن فوائد النباتات، التهمه قراءة طوال الأسبوع بأكمله.

وقرر أن يبحث عن المزيد، وأن يجرب بنفسه، وفجأة، وفي وسط رحلته، اكتشف أن بعض الأحجار الصماء، أيضًا لها فوائد طبية لصحة الإنسان.

وبعد أن انتهى من كتابة المخطوط، راح يعيد القراءة، ويستكمل البحث فالكتاب يبحث في العقاقير النباتية، والمعدنية، واستعمالاتها الطبية, فهو فقط لا يصف فوائدها، وأساليب استخدامها، بل إنه يتحدث عن كيفية صناعاتها في تلك السنوات، بحيث يمكن للمرأة في المنزل، أن تحول بيتها إلى صيدلية صغيرة، تساعدها في مواجهة الطوارئ.

لذا، انتشر خبر الكتاب بين النساء، والرجال في الأندلس، وسعى الكثيرون إلى استنساخه أو استنساخ صفحات منه، من أجل الاستفادة بما جاء فيه.

وتحدث عبدالرحمن الداودي الأندلسي في كتابه عن عدد من الأمراض، وعلاجها، كالجرب، والبهاق، ووجع الأسنان، ونزف الدم.

وذات يوم، راح الرجل يمارس هوايته القديمة، في الصعود إلى التل، وعلى الرغم من عمره الذي صار يعوقه في الصعود، فإنه أصر على الوصول إلى قمة التل، وهناك ردد في دهشة:

- يا إلهي.. ما كل هذه الحدائق الصغيرة المزروعة حول البيوت؟

لم يكن قد انتبه إلى أن كتابه قد دفع الناس في مدينته إلى أن يزرعوا الأشجار ذوات الفوائد الطبية حول بيوتهم الصغيرة، وأنهم صاروا يقومون بتحضير الأدوية المفيدة، من هذه النباتات.

لقد صارت الحدائق أشبه بمنابع صغيرة لصناعة الأدوية، خاصة القرطم، والعكوب، والزنجبيل، والغار.

 


 

محمود قاسم