واحة الفن الجميل

واحة الفن الجميل

جورج سورا

جورج سورا رسام فرنسي. ولد في باريس في 2 ديسمبر 1859م, في عائلة ميسورة, وكان والده موظفا حكوميا, لكنه قليل الكلام يحب الوحدة والانزواء, وورث ابنه عنه ذلك. أما الأم فكانت امرأة هادئة الطباع متواضعة, وهي التي أحاطت ابنها جورج بالحب والرعاية في طفولته. كانت العائلة تسكن في شقة قريبة من الحديقة العامة الكبيرة (البارك) حيث كانت الأم تقضي مع ابنها أوقات الفراغ وسط الطبيعة الجميلة, وقد أصبح البارك والناس الذين يرتادونه موضوعا لبعض أعظم أعماله.

كان سورا شابا طويل القامة جميل الطلعة, أنيق الملبس, حسن التصرف, وكان جدّيا يفضل صرف المال على شراء الكتب وليس على الأكل والشرب ككثير من أصدقائه. رغم تحلّيه بكل تلك الصفات, فإنه لم يكن تلميذاً لامعا في دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة, التي دخلها عندما أصبح في التاسعة عشرة من عمره. لم يكن بحاجة لبيع أعماله ليعيش, أو لرسم لوحات فقط لتعجب الناس ويشتروها, وذلك بفضل المال الكافي الذي يوفره له والده. في العشرين من عمره أرسل سورا إلى مرفأ بريست في فرنسا لتأدية الخدمة العسكرية, واستغل أوقات الفراغ برسم الأشخاص والسفن. لدى عودته إلى باريس, شارك اثنين من زملائه في استوديو صغير, لكنه لم يلبث أن انتقل إلى استوديو خاص به قريب من بيت أهله, وأمضى السنتين التاليتين يرسم بالأبيض والأسود إلى أن أتقنه. قضى كل السنة التالية بالعمل على لوحة كبيرة جدا عنوانها (السباحة في أزنيير), وكان فخورا بها, لكن عندما أراد عرضها في الصالون رفضتها لجنة التحكيم, فغضب سورا كثيرا, وسخر من الفن الأكاديمي للصالون, غيّر مساره المهني وانضم إلى الفنانين الشباب المستقلين.

كان سورا موهوبا, لديه القوة على المثابرة والتركيز, مؤمنا بصحة أفكاره وبأهمية عمله على تطوير أسلوبه الخاص بالرسم (pointilism) التنقيط, حيث يقوم بوضع نقط أو بقع صغيرة من الألوان الصافية غير المخلوطة, إلى جانب بعضها على اللوحة, لتختلط فقط في عيون المشاهد, مع احتفاظ الألوان ببريقها. حاز أسلوبه على إعجاب الرسامين واعتبروه قائدا لهم, أما هو فكان مقتنعاً بأن ذكاءه المتفوق وعمله الجاد وإنجازاته كانت السبب في ذلك الإعجاب. عرض سورا لوحته مع أعمال زملائه, لكن المعرض فشل مالياً, فتم تعويض ذلك بتأليف (جمعية الفنانين المستقلين) تعهدوا فيها بإقامة معرض سنوي دون لجنة تحكيم.

عمل سورا على لوحة كبيرة ثانية لمدة سنتين (الجات الكبيرة) (جات هي جزيرة في نهر السين) وعندما عرضها مع مجموعة الانطباعيين لاقت إعجاب الجميع وخصوصا النقاد, لأنها تقدمت على الانطباعية, ولقب ناقد كبير سورا وزملاءه بالانطباعيين الجدد. أصبح سورا شهيرا والتفّ حوله كبار الفنانين مثل شافين, ديجا, جوجان, فان جوخ وتولوز لوتريك لكنه كان ينعزل عنهم كعادته. كان متواضعا جدا, وعندما وصف النقاد أعماله بالشاعرية خالفهم الرأي قائلا: (لا, أنا أطبق أسلوبي وهذا كل شيء). كان يقضي الصيف على شاطئ البحر ويرسم مشاهد بحرية في لوحات صغيرة الحجم, ثم يقضي الشتاء داخل الأستوديو يرسم لوحة كبيرة ليعرضها في الربيع.

السنة الأخيرة من عمر سورا قضاها بعزلة في الأستوديو الجديد الذي انتقل إليه. تزوج سرا من عارضة الأزياء التي أنجبت له ابنا, ولم يقدّم عائلته إلى والدته إلا قبل ثلاثة أيام من موته غير المتوقع.

مات الفنان جورج سورا في شهر مارس سنة 1891م بعد إصابته بداء التهاب السحايا, وكان شابا في الواحدة والثلاثين من العمر, وقد قال صديقه الفنان سينياك بحزن: (لقد قتل صديقنا المسكين نفسه بكثرة العمل).

 


 

نهى طبارة