بيتنا الأرض.. محمد المخزنجي

بيتنا الأرض.. محمد المخزنجي

مطوار.. لاينسى ضرب النار

(حكاية حقيقية عن فيل يتذكر جرائم الحروب الأهلية)

وأكثر الحروب بشاعة هي الحروب الأهلية، التي يتقاتل فيها سكان البلد الواحد، لأسباب لاتستحق القتال. وإفريقيا شهدت عديدًا من هذه الحروب التي راح ضحيتها ملايين الناس، ومعظمهم من الأطفال وكبار السن، لأن هؤلاء لايستطيعون الدفاع عن أنفسهم في مواجهة المسلحين القتلة، ولا يتمكنون حتى من الهرب بسرعة مناسبة إلى مكان مناسب يحميهم. وكل من نجا من الموت في هذه الحروب الأهلية، سيظل يتذكر آلامها وكأنه يتحسس ندبة (أثر الجرح) تعيد إليه ذكرى الاحتراق بالنار.

وليس الإنسان وحده هو من يعاني آلام ذكريات هذه الحروب، بل الحيوان أيضا، ففي محمية طبيعية إفريقية اسمها «أكادير» يعيش حزينًا فيل اسمه «مطوار»، وقد صار اسمه معروفا لدى كل مُعارضي جرائم الحروب في العالم، وكثير من الناس يفدون على محمية «أكادير» ليشاهدوا كيف يتألم هذا الفيل من الذكريات التي لاينساها لجرائم الحرب الأهلية بين قبيلتي بلد واحد في وسط إفريقيا، والتي أحرقت بنيرانها البشر والشجر والحيوان أيضًا.

الفيل (مطوار) يقضي أيامه وحيدا في المحمية، ويتخلص من بعض أحزانه عندما يذهب إليه أطفال القرى الإفريقية القريبة حاملين إليه العشب الأخضر ليأكله من بين أياديهم الصغيرة راضيًا وديعًا. لكن هذه الوداعة تنقلب إلى غضب عارم عندما يشاهد «مطوار» إنسانًا يحمل بندقية ولو على بعد مئات الأمتار من مكانه، حتى لو كانت هذه البندقية لأحد حراس الغابة الذين يقومون بحماية مطوار نفسه من توحش الصيادين الذين لايهمهم إلا قنص الأفيال لانتزاع أنيابها وبيعها سرًا لتجار العاج بعد أن صارت تجارته مُحرّمة دوليًا.

ثورة مطوار على البنادق وحاملي البنادق صارت مشهورة، وتم تصويرها في أفلام عرضتها معظم تلفزيونات العالم لتثبت أن جرائم الحروب الأهلية لا ينساها الإنسان ولا الحيوان، فهذا الفيل الذي يثور عندما يرى البنادق، كان قائدًا لقطيع مكون من خمسين فيلا يزهو بها، ولم يعد من هذا القطيع غيره، ماتوا جميعا بنيران الحرب الأهلية بين البشر، ورأى بعينيه مقتل العديد من أخوته وأبنائه وأقاربه وأصحابه، وهو لاينساهم أبدا، وتثيره البنادق لأنها تذكره بجرائم مقتلهم في الحرب بيد البشر.

فهل يخجل البشر من إشعال حروب أهلية أخرى؟

 

 


 

محمد المخزنجي





كل الحروب مكروهة، مادامت هناك وسائل ممكنة لأخذ الحق بطرق أخرى غير قتل الناس وقتل النفس