أبو عوض وحماره

أبو عوض وحماره

رسوم : نجيب فرح

كان أبو عوض عائدًا إلى قريته يسوق حماره أمامه، وكان المطر قد توقف منذ يومين والأرض قد جفّ بعضُ جوانبها والبعض الآخر لايزال موحلاً، سار أبو عوض دون أن ينتبه إلى حفرة في الأرض، كانت الأمطار قد جرفت إليها بعض الحشائش والأغصان الساقطة عن أشجارها. وما هي إلا خطوات وهوى الحمار في الحفرة ناهقًا، جثا (جلس) أبو عوض على ركبتيه بسرعة عند حافّة الحفرة ومد يده وكأنه يحاول إدراك الحمار، ولكن...لحسن الحظ لم تكن الحفرة ضيقة فينحشر الحمار بداخلها، ولم تكن أيضًا عميقة جدًا بحيث يصعب الوصول إلى الحمار أو رؤيته، كما أن الحمار قد سقط واقفًا، ويبدو أنه لم يصب بضرر كبير لأنه كان يتحرك عبر المساحة المتاحة له في الحفرة، بل إنه مد فمه يلتقط بعض الحشائش التي نَمَتْ في جوانب الحفرة. احتار أبو عوض في كيفية إخراج حماره من الحفرة «حتى لو كان معي حبل وخمسة رجال أشداء لن نستطيع إخراج الحمار دون أن يسقط أحدنا مكانه»! قال ذلك أبو عوض وهو يتلفت حوله عله يرى أحدًا يسلك الطريق فيقدم له حلاً أو مساعدة.

مضى وقتٌ طويل ولم يمرّ أحد في الطريق وأبو عوض لا يستطيع الذهاب لطلب المساعدة، فالطريق عن قرية صاحبه أصبحت بعيدة، كما أنه كان قد قطع المسافة مرة ماشيًا ومرة راكبًا ظهر حماره، ولا يمكنه أن يعود لقطع كل تلك المسافة ماشيًا مرة أخرى.

جلس أبو عوض قرب الحفرة مفكرًا عله يهتدي إلى طريقة ما، وامتدت يده إلى جيبه وأخرج كيس الزبيب الذي زوّده به صاحبه ليتسلى بأكله عبر الطريق، أخذ أبو عوض يلتقم حبيبات الزبيب، وقد شرد ذهنه إلى البعيد وتذكر جدته عندما كانت تزق (تغذي) الكتاكيت الحبوب في حوش المنزل حتى تسمنها، وتُعدُّ بعضَها للطعام، وذات يوم روت له حكاية صغيرة عن ذلك الغراب الذي أضره العطش في الصحراء الحارة، ووجد جرة يوجد في قاعها القليل من الماء ولم يستطع الغراب بمنقاره الوصول إلى الماء لأن عنق الجرة كان طويلاً وضيقًا، وأخذ الغراب يبحث حوله، فما كان منه إلا أن التقط بعض الحصى والأحجار الصغيرة بمنقاره، وأخذ يلقي بها في قاع الجرة حتى بدأ الماء يرتفع قليلاً قليلاً حتى وصل إلى عنق الجرة، فمد منقاره وشرب حتى ارتوى. وهنا قفز أبو عوض من مكانه صائحًا: يا لها من فكرة. وراح يجمع بعض الحجارة والصخور متوسطة الحجم وبعض الأغصان وأخذ يغمرها بالطين والرمل ويصنع منها قوالب ويزحلقها إلى الحفرة بتمهل حتى لا تسقط على الحمار، وكان الحمار يتجنب الصخور ويتحرك في الحفرة حتى أصبحت الصخور تتجمع أسفل حوافره، أمضى أبو عوض يومه وليلته وهو يزحلق الصخور وقوالب الرمل بالطين حتى بدأ الحمار يرتفع فوقها، وما إن أطل الحمار برأسه من الحفرة حتى التقى برأس أبو عوض، فاشتركا بنهيق وقهقهة بددّت سكونَ ووحشةَ الطريق.

 

 


 

لطيفة بطي