ميمو والكمبيوتر

ميمو والكمبيوتر

تكره ميمو حصة الإنشاء والتعبير فتظل سارحة حالمة في خيالاتها دون الانتباه للدرس, وذات يوم طلب المدرس منها كتابة موضوع إنشائي حول أهمية الكتاب.

تضايقت ميمو كثيراً فهي لا تحب الكتب بل وتعتبرها مملة ومضيعة للوقت الذي تفضل قضاءه في اللعب ومشاهدة التلفزيون والتحدث مع صديقاتها الأزهار في حديقتها.

عادت للمنزل قلقة خاصة أنها هذه الأيام منشغلة بالتحضير لحفلة عيد ميلادها من تزيين غرفتها بأشرطة زاهية الألوان وبالونات مختلفة الأحجام معلقة في السقف بتناسق جميل, أو بمراقبة أمها تحضر الكعك والحلويات المفضلة لديها, والأهم من ذلك انتظار عودة أبيها المسافر الذي وعدها بإحضار هدية مميزة.

رن الهاتف, التقطته ميمو مسرعة, فهي تعلم وقت مكالمة أبيها الذي يسألها:

هل طالعت الكتب التي أرسلتها إليك?

ميمو: أنا منشغلة بالتحضير لحفلة عيد ميلادي.

الأب: احرصي على مطالعة الكتب يا بنيتي.

ميمو: بابا نحن في القرن الواحد والعشرين أريد كمبيوتر في عيد ميلادي.

الأب: الكتب أفيد من الكمبيوتر.

ميمو: هذا عيد ميلادي وأنت طلبت مني اختيار أي هدية تعجبني.

الأب: لكن يا صغيرتي هناك أولويات ينبغي الاهتمام بها قبل استخدام الكمبيوتر.

ميمو: أريد أن أكون متميزة في الصف.

الأب: موافق بشرط أن تكثري من مطالعة الكتب.

ميمو مسرورة: أعدك بابا.

طبعا ميمو لن تفي بوعدها لأبيها.

حل المساء ولم تتمكن من كتابة موضوع الإنشاء. خرجت للحديقة, وبخطوات صغيرة حذرة وخائفة من أن تنتبه والدتها اقتربت من الأزهار المشرقة تحت أشعة القمر تتفقدها واحدة واحدة, وبانحناءة وديعة سلمت على زهرة النرجس فوجدت بجانبها شيئاً مغمورا جزؤه العلوي يلمع, ما هذا يا ترى? أزالت التراب فإذا بها نظارة صغيرة فما الذي جاء بها إلى هنا?

أخذتها وفي غرفتها نظفتها جيدا وأزالت التراب العالق بها, ثم وضعتها على عينيها الخضراوين فازدادت النظارة لمعانا وأضاءت الغرفة بألوان قوس قزح الرائعة ورأت نفسها تعلو وتعلو حتى لمست سُحبا غريبة الأشكال والألوان, ثم انتصب ظل صغير وسط زجاج النظارة. خافت ميمو, نزعتها ورمتها على السرير, وخرجت إلى غرفة الاستقبال التي كانت مظلمة إلا من نور خافت منبعث من مصباح صغير, اقتربت من المكتبة وتناولت كتابا محاولة التخفيف من خوفها قائلة إنه مجرد حلم مزعج, أخذت تتصفح الكتاب وتذكرت موضوع الإنشاء الذي ينتظرها فمزقت صفحة من صفحاته وما إن أتمت فعلتها حتى وجدت نفسها تصغر في الحجم إلى أن صارت بحجم حرف من حروف اللغة العربية وبدت لها الحروف الأخرى ضخمة وعملاقة. تحركت صفحات الكتاب وهبت كرياح قوية حملت ميمو وأدخلتها داخل الكتاب.

تواصل الصفحات ثورتها المجنونة وتزداد الأبجديات انقلاباً وتحولاً لأبعاد زمنية مختلفة حسب الموضوع, وجدت ميمو نفسها مطاردة من الديناصورات التي كانت تعيش على سطح الأرض منذ ملايين السنين, تركض ميمو في جميع الاتجاهات وتصرخ ولا أحد يجيب.

تقفز إلى الفصل الثاني وتتطاير ميمو بين العصور لتنزل داخل قصر بدا خالياً وهادئاً فتلتقط أنفاسها قليلاً ورويداً رويداً يقل الهدوء وتحل محله أصوات غير مفهومة وأناس بلباس عربي قديم وموسيقى شجية منبعثة من دندنات العود ورائحة المسك والعنبر والبخور... تتساءل ميمو أين أنا?

ويقطع حيرتها رجل يضع تاجاً مرصعاً بالجواهر والدرر ماسكاً سيفه قائلا احكي ما في جعبتك الليلة وإلا... وأشار إلى السيف.

كادت تفقد وعيها من شدة الفزع, لقد حلت محل شهرزاد في حكاية ألف ليلة وليلة.

ولم تجد ما تروي للملك في هذه الليلة وأدرك ميمو الخوف الكبير! ووجدت أمامها فانوساً طائراً في الفضاء عرفت أنه مصباح علاء الدين.لامست المصباح ودعكته لعله ينقذها لكن المصباح انفجر وتناثرت أشلاؤه.

ونظرت من جديد إلى النظارة? تلك النظارة العجيبة التي أفزعتها وجعلتها تترك غرفتها مذعورة.. ولم يعد هناك خيار أمامها غير الظل الذي يتوسط النظارة قائلة له: هل أنت مارد مصباح علاء الدين?

الظل: لا تخافي يا صغيرة جئت خصيصاً إليك.

ميمو والعرق يتصبب من وجنتيها: ماذا تريد?

الظل: أنا هدية عيد ميلادك من صديقاتك الأزهار واسمي طيفون.

ميمو: أخرجني من هنا.

تحولت نظارة الطيف لطائرة نقلت ميمو خارج حكايات ألف ليلة وليلة.

ميمو تفكر مندهشة وتصرخ على طيفون: أريد العودة.

يطمئنها طيفون بأن طائرة الطيف جاهزة للطيران. ولم تحس ميمو بالأمان إلا حين خروجها من الكتاب الذي عاد إلى حجمه الطبيعي وعادت إلى حجمها.

كرهت ميمو الكتاب أكثر, وعدت نفسها أنها لن تقرب منه للأبد. سألها طيفون?

هل استفدت من رحلة الكتاب?

ميمو: انك تمزح كيف أستفيد من كتاب مفترس?

طيفون: الكتاب غضب منك لأنك مزقت إحدى صفحاته التي يعتبرها بنتا من بناته.

ميمو: لم يعد الكتاب مفيدا. الكمبيوتر أسرع في المعلومات.

طيفون: لا يا صغيرة كان الكتاب ولا يزال المصدر الأول في التزود بالمعلومات وتوسيع مجالات الثقافة وإثراء اللغة.

ميمو: كلامك كبير عليّ.

طيفون: الكتاب صديق وفيّ وكلما احتجت إليه وجدته إلى جانبك وكلما تصفحت أوراقه تزداد دقات قلبه بالمحبة والسعادة وتهديك نبضاته وأوراقه الكثير من المعلومات المفيدة والحكايات الشيقة. وكلما اقتربت منه يقترب منك وإذا أردت التعرف على مكان معين يتحول إلى بساط من الحروف ويمسك بيدك الصغيرة ويأخذك بكل رقة وحنان ويجيب على أسئلتك بلغة جميلة وعذبة.

تقاطع ميمو طيفون فجأة وتقول:

إذن, الكتاب فضله كبير على التكنولوجيا حيث حافظ على عصارة أعمال العديد من العلماء الذين رحلوا وتركوا أفكارهم يكملها آخرون يطورون ويخترعون الأجهزة المختلفة التي تساعد الإنسان في حياته بما في ذلك الكمبيوتر.

ميمو: لقد أخذت اليوم درساً مهماً يساعدني في كتابة موضوع الإنشاء.

 


 

ندى مهري