حيلةُ الغُراب

حيلةُ الغُراب

رسم: نصير بهبهاني

يُحكى أن الغرابَ في قديمِ الزمانِ كان من الطيورِ الجميلةِ شكلاً وصوتًا، وأنه كان يعيشُ في إحدى الغاباتِ البعيدةِ مع مجموعةٍ كبيرةٍ من الطيورِ الجميلةِ، التي كانت تتمتّعُ بريشٍ رائعِ الألوانِ. وفي أحد الأيامِ، سمعت طيورُ الغابةِ أن طائرَ الغرابِ، يريد أن ينظم «مسابقةً للجمالِ» يشتركُ فيها جميعُ طيور الغابةِ. فرحت الطيورُ كثيرًا لهذه الفكرةِ، وراحت تُعدُّ نفسَها لهذه المسابقةِ الجديدةِ.

كان الغرابُ شديدَ الحيلةِ، وعظيمَ الدهاءِ، وعلى الرغمِ من أنه يتمتع بريشٍ جميلٍ، ربما كان أجملَ ريشٍ بين الطيورِ آنذاك، إلا أنه قرر أن يعملَ حيلةً يوقع بها الطيورَ الجميلةَ حتى يظفرَ بالجائزةِ وحدَه، فقال: يا أصدقائي الطيور، عندي فكرةً رائعةً، لِمَ لا نبني حوضًا كبيرًا نضعُ فيه الماءِ، ونقومُ بغسلِ ريشَنا فيه، حتى نكون مستعدين لهذه المسابقة؟ وافقت الطيورُ على اقتراحِ الغرابِ، وبعد أن نقعت الطيورُ ريشَها في حوضِ الماءِ، عادت إلى أعشاشِها، لكنّ الغرابَ - الذي كان يعدّ لحيلتِهِ - عادَ إلى حوضِ الماءِ، وأخذ ريشَهُ وعلّقه على أحدِ الأغصانِ، تحتَ أشعةِ الشمسِ الحارقةِ حتى يجفَّ، وذهب ليبحثَ عن صبغةٍ سوداءٍ، يفسدُ بها ألوان ريش الطيورِ المسكينةِ. تأخّر الغرابُ كثيرًا حتى أحضر الصبغةَ السوداءَ، وعندما عاد كان قد وصلَ متأخرًا، فقد أخرجت الطيورُ ريشَها، وارتدتهُ وراحت تزهو بألوانِهِ هنا وهناك، وقال الغرابُ في نفسِهِ: إذن لا خلاص، عليّ أن أعود وأرتدي ريشي لأشترك في المسابقةِ. وصلَ الغرابُ إلى غصنِ الشجرةِ الذي نشر ريشَه الجميلَ عليه، لكنه فزعَ كثيرًا من شدّة ما رأى، وأخذ يصرخُ ويبكي بصوتٍ عالٍ حتى اجتمعت طيورُ الغابةِ على صراخِهِ. وبعد أن تحقّقت من الأمرِ عرفت حيلته، وأنّ أشعةَ الشمس أحرقت ريشَهُ الجميلَ حتى أصبحَ شديدَ السوادِ، اضطرَّ الغرابُ أن يرتدي ريشَهُ الأسودَ خوفًا من بردِ الشتاءِ القارصِ الذي سوف يأتي، لكنهُ ظلّ يبكي سنواتٍ طويلةً حتى أصبحَ صوتُه قبيحًا كما نسمعهُ الآن.

 

 


 

يوسف البري