الديجيتال اللغة الرقمية لعصر المعلومات
الديجيتال اللغة الرقمية لعصر المعلومات
دخل أحمد مكتب الدكتور ذهني فوجده منهمكا في العمل على الكمبيوتر, لفت نظر أحمد صورة كبيرة كانت موجودة على المكتب, بالأبيض والأسود, تمثل رجلا أشيب الشعر وعلى وجهه ابتسامة هادئة, كان من الواضح أنها لشخصية مهمة, مادام الدكتور ذهني يحتفي بها ويضعها أمامه هكذا, لم يستطع أحمد أن يخفي فضوله فسأل: مَن هذا الرجل? توقف الدكتور ذهني عن العمل على الكمبيوتر وهو يقول: - يسعدني أنك تسأل دوما يا أحمد, لأن السؤال أول طريق المعرفة. هذا الرجل واحد من أهم شخصيات القرن العشرين, لقد وضع لمساته في كل مكان, وهي لمسة ذهبية لمن يحتاج إليها, فقد أحدث في حياتنا ثورة توازي اكتشاف طاقة البخار في القرن التاسع عشر, واكتشاف الطاقة الذرية في القرن العشرين, إنها ثورة عصر المعلومات الذي نعيش الآن, ويمكن القول إنه رجل لا تقل أهميته عن نيوتن واينشتاين. قال أحمد متحمسا: لقد شوّقتني إليه كثيرا, ما هو اسمه وماذا فعل? قال الدكتور ذهني: - اسمه كلود إليوود شانون, وليس في حياته الخاصة شيء يذكر, أهم من اكتشافه للكيفية التي يتم بها نقل المعلومات من جهاز كمبيوتر إلى آخر, وكيفية تخزين هذه المعلومات واسترجاعها مرة أخرى كما يحدث في ذاكرة الإنسان. لقد ولد في عام 1916 في بلدة صغيرة في ولاية ميتشيجان الأمريكية, كان أبوه قاضيا وأمه مدرسة, وهو يمت بصلة قرابة للمخترع الأمريكي المعروف توماس أديسون, أنت تعرف أديسون بطبيعة الحال يا أحمد? قال أحمد: أجل, لقد توصل للعديد من الاختراعات أهمها المصباح الكهربائي وجهاز البرق. قال الدكتور ذهني: - بالضبط, لهذا كانت الاتصالات محور اهتمام شانون, كان يسأل نفسه دوما, كيف يمكن إيجاد وسيلة, أو بالأحرى لغة يمكن أن تنتقل المعلومات بواسطتها من مكان لآخر, والمعلومات هنا تعني الكلمات والصور وحتى أصوات الموسيقى, ويقال إنه وهو مازال في سن السادسة عشرة قام بصنع أول جهاز للبرق يتصل بواسطته بأصدقائه على بعد أميال. وعندما تخرج من جامعة ميتشيجان في قسم الهندسة الإلكترونية عمل في واحد من أشهر المعامل في الولايات المتحدة, في معهد ماسوشتس للتكنولوجيا, وهناك بدأ الخطوات الأولى لاكتشافاته. الصفر والواحد قال أحمد: هل تم هذا الاكتشاف بالمصادفة كما حدث للعديد من المخترعين? قال الدكتور ذهني: - المصادفة لا تأتي إلا لمن بحث عنها يا أحمد, فالعالم يفكر ويبحث دائما عن سبب كل الظواهر التي يراها, ويقوده هذا أحيانا إلى اختراع جديد, تذكر أن هذا كان في العام 1939 حيث العديد من الاختراعات التي لم تتبلور بعد, وقد اشتغل شانون في المعهد داخل غرفة فيها جهاز ضخم لتحليل العمليات الرياضية, كان عبارة عن كمبيوتر عملاق ولكنه بدائي, مليء بالبكرات والتروس والوصلات الكهربائية, وكان بطيئا, وقدرته على حفظ المعلومات محدودة. وأخذ شانون يفكر كيف يمكن أن تخضع حركة هذه التروس لقوانين المنطق الرياضي, وكيف يمكن خلق لغة يمكن بواسطتها نقل المعلومات عبر هذه التروس وتخزينها واسترجاعها في وقت الحاجة? باختصار, هو كيف تتحول حركة هذه البكرات الميكانيكية المملة إلى لغة منطقية مفهومة? وقد توصل إلى ذلك عن طريق استخدام الرقم صفر والرقم واحد في تراتيب مختلفة, وكانت هذه هي بداية اكتشاف لغة الكمبيوتر أو اللغة الرقمية. فكر أحمد قليلا, حاول أن يربط في ذهنه بين الكمبيوتر الصغير والكمبيوتر الضخم الذي كان يحتل غرفة كاملة, وكيف أنهما معا يتحدثان بلغة واحدة هي لغة الأرقام, وقال: - لم أفهم كيف فعل هذا, وما العلاقة بين الحركة الميكانيكية وتكرار الأرقام? فقال الدكتور ذهني محاولا أن يوضح له فكرته: - سوف أشرح لك أكثر حتى تستوعب ما حدث, لقد كان اكتشاف شانون هو بداية ما أصبح يعرف فيما بعد بنظرية المعلوماتية, التي تعتمد على إمكانية وضع أي معلومة مهما كان نوعها داخل نظام يسمى الوحدة الثنائية, وقد أطلق عليه اختصارا كلمة بايت. ويتكون البايت من تكرار الرقمين صفر وواحد, وكل المعلومات سواء كانت كلما ت أو أرقاما أو صورا أو أصوات يمكن أن تتحول إلى بايت. وكيفية انتقال هذه المعلومات من مكان إلى آخر يعتمد على ما يحدث لهذه البايت. وقد مكن هذا النظام شانون من أن حل الكثير من المشاكل في نظام الاتصالات, بل إنه وضع حدا فاصلا بين المعلومات وبين الكلمات أو الأصوات العشوائية, فالمعلومات تتكون من بايت مرتبة بشكل منظم مكون من ترددات الرقمين صفر وواحد, أما العشوائية فلا يوجد لها أي بايت منظم, كما أثبت شانون أيضا أنه كلما زاد حجم الرسالة تزيد من كمية البايت المستخدمة. من الخلية لأعماق الكون قال أحمد: وهل أثر ذلك على طريقة استخدامنا للكمبيوتر, وعلى حجمه أيضا? قال الدكتور ذهني: - طبعا, لقد اختصر اللغة الرقمية كثيرا من العمليات الميكانيكية, وساعد على تصغير حجم الكمبيوتر المستخدم ورفع كفاءته, وبعد أن كان الجهاز يملأ غرفة كاملة أصبح يشغل حيزا صغيرا في ركن أي منزل. بل إن اختراعه قد أثر على الاتصال بواسطة الهاتف العادي, فبدلا من الاعتماد على التيار الكهربي الساكن أصبح من الممكن استخدام التيار المتردد في نقل البايت, وحل بذلك مشكلة صعبة كانت تقابل المهندسين وتمنع انتشار الهواتف. وساهم شانون في اختراع الروبوت أو الإنسان الآلي الذي يتلقى المعلومات وينفذها, واستخدم طريقته أيضا علماء الهندسة الوراثية في قراءة شفرة الخلايا الوراثية أو ما يسمى بالجينات. إنه اكتشاف القرن العشرين يا أحمد. ومن هنا تأتي أهمية اكتشاف لغة الديجيتال.
|