قدوتي العلمية

قدوتي العلمية

الخازن

من المهم... أن تكون الأول

رسوم: ممدوح طلعت

(اطلقوا سراح هذا الطفل... إنه يستحق أن يعيش حراً)...

لم يصدق الصغير أذنيه, وهو يستمع إلى كلمات الأميرة, انطلقت الفرحة تكسو الطفل, واقترب من الأمير, كي يعبر له عن شكره العميق, إلا أن الأمير منعه من الانحناء, وهو يقول:

- العلماء لا ينحنون.. فهم أصحاب قامة طويلة...

وفي هذا اليوم العظيم بدأت حياة الحرية لواحد من أعظم العلماء العرب أنه أبو الفتح عبدالرحمن المنصور, المولود في مدينة (مرو) في شمال بلاد فارس, والذي لم يعرف السعادة طيلة السنوات العشر الأولى من حياته.

أخذوه من مدينته, وصار عبداً, يتنقل بين الأسياد, وأحسّ أنه محظوظ عندما صار من بين الذين يعملون في خدمة أمير شاب, وسيم.

إنه أمير مختلف, يحب النابهين, واللامعين, لذا أنشأ مدرسة للنابهين مؤمناً أن الوطن الصالح يجب أن تكون به نخبة متميزة من العلماء.

وفي عام 1116م, جاءت للأمير أخبار عن تلاميذ مدرسته العلمية حيث قال له (الشيخ نورالدين):

- مولاي الأمير, يوجد من بين تلاميذي من يلتهم العلم التهاما.

وراح الأمير, بنفسه يرقب هذا التلميذ العاشق للمعرفة, والعلم, وقرر أن يعتقه, فهو يؤمن أن الحرية والعلم صديقان, لا يفترقان.

وبالفعل انطلق في البلاد يبحث عن أمهات الكتب العلمية, ثم عاد إلى قصر الأمير, وقال:

- مولاي الأمير, هل سمحت لي أن أبقى في قصرك, أبحث عن النظريات?

وقرر الأمير أن يرعاه, ونشأ الصغير تقياً, مؤمناً بكل ما أنزله الله, وما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واستطاع أن يستوعب ما كتبه العلماء الكبار في الفلك, والفيزياء, وعلوم الرياضيات, ولم تمر سوى سنوات قليلة, إلا وقد قرأ كل ما جاءته من كتب ومراجع.

ولاحظ الأمير أن الشاب (أبو الفتح) يهوى جمع الكتب, وينسقها ويخزنها باهتمام, يضحك وهو يقول:

- الحقيقة أنني أخزن المعلومات في رأسي, وليس في مخزن الكتب.

وبالفعل كان يعرف كيف يستفيد من المعلومات التي حصل عليها, وراح يعد لتأليف كتاب ضخم يحمل اسم (ميزان الحكمة) الذي يتضمن ما استطاع التوصل إليه من اختراعات خدمت البشرية.

توصل (الخازن) إلى أن للزئبق خواص متميزة, يمكن من خلالها عمل جهاز لقياس درجة حرارة الجو, لأن الزئبق يرتفع وينخفض في الأنابيب, حسب ارتفاع وانخفاض درجات حرارة الجو.

وشرح (الخازن) ما توصل إليه في كتابه...

وقرأ العالم الإيطالي (جاليليو) ما كتبه الخازن واستطاع أن يبتكر الترمومتر وهو يعترف قائلاً:

- نعم... العالم العربي (الخازن) هو أول من قام بقياس كثافة الهواء والغازات في الطبيعة من حولنا.

وجاء في كتاب (ميزان الحكمة) أن لكل شيء كثافة أي ثقلا, ووزنه تقريباً قياساً إلى وزن الماء, وكثافة أي جسم تتوقف أيضاً على درجة الحرارة.

وهكذا استطاع (الخازن) أن يجعل الزئبق يتحرك في الجهاز البدائي الذي صنعه لنفسه, بدا كأنه يلهو به, وهو يجربه في كل مكان, وزمان, فعندما يصير الجو بارداً في الشتاء, ينزل الزئبق إلى أسفل.

وعندما يأتي الصيف بحرارته, يرتفع الزئبق إلى أعلى.

ونجح (الخازن) في أن يضع علامات محددة يمكن بها معرفة مقياس درجة الحرارة بدقة, واكتشف أن درجة الحرارة الطبيعية للإنسان هي: 37 درجة.

وعرف سر إحساس الإنسان بالبرودة في الشتاء, فدرجة الحرارة تقل عن العشرين درجة, وفي الصيف ترتفع إلى حد كبير.

واكتشف (الخازن) أن درجة الحرارة المناسبة للإنسان هي 37 درجة.

ذات يوم, دخل عليه الأمير, وقال:

- يا صديقي العالم, أرى أن كتابك قد صار بين الناس, أي أنك لم تعد (خازنا).

وضحك العالم, وهو يشعر بالسعادة, فالأمير يتعامل معه بتواضع كما أنه يعرف تماماً أنه مؤمن بأن فائدة العلم للجميع.

واستمر (الخازن) يقدم خدماته للبشرية, فوضع الأسس العلمية لاختراع جهاز يقاس به الضغط الجوي هو (البارومتر).

وكان (الخازن) هو أول مَن نبه إلى أن الأجسام تسقط من أعلى نحو الأرض لأن هناك شيئا يجذبها إلى الأرض.

إنه الاكتشاف العلمي المهم الذي توصل إليه (نيوتن) بعد قرون عدة, تحت اسم (الجاذبية الأرضية).

وكم من اكتشافات واختراعات ذكرها في كتابه, نسبت فيما بعد إلى علماء الغرب لكن (الخازن) كان دائما... الأول...

 


 

محمود قاسم