الإسلام حضارة

الإسلام حضارة

القرآن الكريم والمصحف الشريف

للقرآن الكريم أثر عظيم في نفوس المسلمين, فهو كتاب الله, ورسالة السماء إلى الأرض, ومعجزة النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلم, وهو الكتاب الذي بلغ ذروة الإعجاز في الفصاحة والبلاغة, وتفرّد في اشتماله على أرقى المعارف والعلوم, وأروع الحكم والأمثال, وأسمى الأحكام والمواعظ. وقد ترك تأثيراً لا مثيل له على الحضارة والعلوم والفنون البشريّة. وقد ظهرت العناية بكتابة المصحف الشريف منذ أمَر رسول الله صلّى الله عليه وسلم كُتّاب الوحي بتدوين القرآن - وفقاً لطريقة تلاوته ـ على الخامات التي كانت تستخدم في الكتابة في ذلك العهد مثل الرقاع والعظام.

جمع نصوص القرآن الكريم

حين استشهد عدد غير قليل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهد خليفته أبي بكر الصديق رضي الله عنه من حفظة القرآن الكريم تنبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لهذا الأمر, وخشي ضياع القرآن الكريم بموت حفظته, فذهب إلى الخليفة أبي بكر الصديق وطرح أمامه مخاوفه واقتراحاته, ثم نودي على زيد بن ثابت وتم تعيينه رئيساً للجنة كانت مهمتها جمع القرآن الكريم, ونجح - زيد - في مهمته وحفظ ما تم تدوينه في دار أبي بكر, ثم نقل إلى دار عمر وبعد استشهاده أودع عند أم المؤمنين (حفصة بنت عمر), وهكذا كان الجمع الأول, أو جمع أبي بكر, أو (الجمع البكري).

خطوط القرآن الكريم

ظهرت 6 أقلام في عهد الخليفة المستعصم هي (خط النسخ - الخط المحقق - الخط الثلث - الخط الريحاني- خط التوقيع - خط الرقعة) وقد حذقها جميعاً (ياقوت الرومي) الذي عرف بالمستعصمي وقد اتخذه العثمانيون إماماً لهم في خط النسخ وأطلق عليه لقب (قبلة الكتاب) وكان أشهر من كتبوا القرآن الكريم بالخط النسخ (ابن مقلة) و(ابن البواب). وبعد أن انتشر فنّ الطباعة بأشكاله المختلفة واستخدمت الخطوط الإسلامية المختلفة في كتابة المصحف حتّى بلغت حدّاً تركت فيه كتابة القرآن تأثيرها العميق على تطوّر بعض الخطوط كالكوفيّ, والثلث, والنسخ, والريحاني, والرقعيّ, وساعدت على تكاملها واتّساعها وتبلور قواعد معيّنة لها, بل ووجد خط النستعليق مجالاً جديداً له بسبب استعماله في حقل كتابة المصحف. يضاف إلى هذا, أنّ كتابة المصاحف - من الوجهة الحضاريّة - ساعدت على ظهور خطوط محليّة أيضاً, كما نجد في الخطّ البابري الّذي ظهر في شبه القارّة الهنديّة في مجال كتابة القرآن.

كتابة الآيات وتزيين المصاحف

إنّ تذهيب المصحف الذي كان بسيطاً للغاية في المرحلة الأولى من مراحل تزيين المصاحف, بما فيه من تجميل بدايات السور وفواصل الآيات بالزعفران والألوان النباتيّة عموماً.. قد تطوّر منذ أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الهجري, واكتمل بسرعة, واستعملت نماذج رائعة وأنماط باهرة من الإتقان والتدقيق في تزيين النسخ القرآنية كالتذهيب, والترصيع, والتحرير, والتشعير, والجداول المزدوجة, وغيرها, إلى الحدّ الّذي يمكن معه القول: إنّ معظم الحالات المذكورة في ميدان تذهيب النُّسَخ وتزيينها قد نشأت ونمت بادئ الأمر في نطاق تزيين المصحف, ثمّ وجدت طريقها إلى سواه من الكتب.

نسخ القرآن الكريم

وقد أدّى اهتمام الفنّانين المذهّبين والرسّامين المهرة بتزيين النسخ القرآنيّة إلى توفّر مئات النسخ الفنيّة الّتي تعتبر بحقّ من الروائع المشهودة في عالم الفنّ الإسلامي. وقد رأيت في المتاحف كثيرًا من النسخ الرائعة لكتاب الله العزيز (مثل متحف طارق السيد رجب في دولة الكويت). كما ازدهر التجليد في الفنّ الإسلامي للمحافظة على القرآن الكريم من خلال توظيف ما لديهم من قدرة فنيّة لتجليده, وذلك لكي يظلّ كلام الله في حصن حصين من الآفات ومن احتمال الضياع, ويظل يتنقّل على حاله خلال الأجيال والقرون. وهكذا التفّت المجاميع الفنية للورّاقين والخطاطين, والمذهّبين, والمجلّدين تحت ضوء القرآن المتألّق, ممّا أوجد طريقة فنية في أسلوب كتابة المصحف وتزيينه.

 

 


 

هيثم خيري