متحف عادات وتقاليد الأسرة التركية

متحف عادات وتقاليد الأسرة التركية

تصوير: فهد الكوح

اسمي سالم أيوب. ورغم أنني أعجبت بمجلة (العربي الصغير) عندما تصفحتها, إلا أنني لم أستطع قراءتها, لأنني لا أعرف اللغة العربية. فأنا تركي وأتحدث باللغة التركية. وقد جئت من استانبول, لأزور متاحف عاصمة بلادي أنقرة, حتى أعرف عن تاريخها القريب والبعيد. فالمتاحف كتب مفتوحة للعادات والتقاليد, وعندما تتجولون معي في المتحف الإثنوجرافي ستجدون أنكم تعرفون الكثير عن بلادي. إن اسم المتحف (الإثنوجرافي) يعني التعرف بالصورة على كيفية حياة مجموعة من الناس, وستجدون أن كثيرًا من عاداتنا تتشابه. فنحن في تركيا مثل أقطار عربية كثيرة ديننا الإسلام, ولدينا قرى ومدن تشبه قرى ومدنا عربية وإسلامية. كما أن زينتنا وملابسنا وأدوات بيتنا فيها الكثير من زينتكم وملابسكم وأدواتكم المنزلية, ألم يكن أجدادي مع أجدادكم ضمن إمبراطورية واحدة في أغلب مناطق العالم العربي, وتأثروا بما وجدوه فيها وأثروا في أهلها?

مكان المتحف هضبة عالية, يطلق عليها اسم نماز جاه, ومعناها باللغة التركية مكان للصلاة في الهواء الطلق, مثل (الزاوية) في بعض المدن الصغيرة. وفي الماضي وقبل الإسلام كانت مكاناً للشعائر الدينية القديمة, ثم أصبحت الهضبة مكانا لصلاة الاستسقاء طلباً للمطر عند حلول الجفاف, وخلال سنوات التحرير وقيام الجمهورية التركية في 1923 شهد المكان الاحتفالات الدينية والوطنية العديدة. وتم إهداء هذه البقعة من الأرض في 1925 إلى وزارة التعليم الوطني لتخصص لإقامة المتحف الذي نشاهده اليوم.

صمم مبنى المتحف مهندس معماري كبير له العديد من التصميمات الهندسية في تركيا هو عصمت حكمت كوين أوغلو. واستكمل بناء المتحف في عامين. وافتتح للجمهور بقرار من مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك (الذي ترون تمثاله وهو يركب الحصان أمام المتحف), وذلك بعد زيارة الملك الأفغاني له أمان الله خان في 1930م. وتبلغ مساحة المتحف الإثنوجرافي 854 مترا مربعا, وهو من طابق واحد وتم تقسيمه إلى ثماني غرف, وقاعة كبيرة أمام المدخل. ثم أضيفت غرفتان خلفيتان لاحقا. وجدرانه وأرضياته مغطاة بالرخام.

في إحدى الغرف نشاهد قسم الأزياء التركية, التقليدية بالطبع, فالأزياء الحديثة تتشابه في كل مكان في العالم. وبعد ذلك نرى قسم النسيج, وفيه تصوير لغزل الصوف الذي نحصل عليه من الماعز والإبل, لصنع خيوط تستخدم في صناعة الكثير من المنسوجات البديعة. وهناك سيدتان إحداهما تصنع سجادة تركية بديعة النقوش, وهو ما تشتهر به الصناعات التقليدية في بلادي. وسأحدثكم قليلا عن السجاد كما قرأته في كتب الفنون الإسلامية.

تعرفون أن السجاد الذي يبسط على الأرض ظهر قديما, أيام الآشوريين والبابليين, وكان مثل نسيج القماش الذي نلبسه, حتى ظهر نظام العقد الذي تتكون منه السجاجيد النفيسة الآن, وهذا النظام لم يظهر في البلدان الإسلامية, حتى مجيء السلاجقة في القرن الحادي عشر الميلادي. ووجدت سجاجيد السلاجقة في قونية, وهي عاصمتهم حين سكنوا هضبة الأناضول (وسط تركيا حاليا), وكانت تتميز بوحدات هندسية وأشكال من الورود والزهور, كأنها حديقة, بينما زينت الإطارات بخطوط كوفية. ومع مجيء القرن الرابع عشر الميلادي, ظهرت أشكال الحيوانات في رسومات السجاجيد التركية. وحين اتسعت الإمبراطورية العثمانية, إمبراطورية أجدادي, في القرن السادس عشر, بدأت تأثيرات بلاد إيران وفنون المماليك تظهر في هذا الفن. واليوم تظهر أشكال مميزة في السجاد تخص تركيا بشكل كبير, مثل وردة التيوليب, والأغصان المورقة. وظهر جمال هذه الأشكال خاصة بعد استخدام العثمانيين للحرير في مصانع السجاد بمدن بورصة واستانبول وكونية وكارس, وكان أول مصنع قد أنشيء عام 1843 على بعد 60 كيلومترا من استانبول في خليج إزميت بمدينة هيركا, وحين تزورون استانبول وتتجولون في سوقها الكبير (الجراند بازار) ستجدون منتجات هذا المصنع الموصوف بالإمبراطوري.

أعود بكم إلى المتحف الإثنوجرافي, وندخل قسم التعدين, أي الشغل بالمعادن, وصناعة الأدوات المعدنية, وخاصة النحاسية فنشاهد ورشة عمل خاصة يعمل بها بجد الحداد وعامل الفرن ويساعده المتدربون الصغار. وأحيانا يكتفي الصغار بالمشاهدة وإحضار الشاي فوق الصينية المعدنية للكبار. وفي هذا القسم نماذج من أباريق الماء, وأواني الطعام, والصحاف (الأطباق) والأكواب, والقدور. ويتم طرق هذه المعادن لتأخذ الشكل المطلوب, ثم تزيينها بعد ذلك بالحروف والأزهار, فيكون بعضها بارزا وبعضها غير بارز, حتى يبين جمالها.

أما أجمل الغرف التي أحببتها في المتحف فهي غرفة الخطاط العربي الذي يسجل بحروف لغة القرآن الكريم أجمل اللوحات. وترون الخطاط جالساً ممسكا بالقلم المصنوع من الخشب وأمامه كتاب قديم وبعض النسخ المحفوظة من كتاب الله الكريم. وقد ظلت الكتابة بالحروف العربية هي المستخدمة في الإمبراطورية العثمانية حتى جاء مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك ـ وأتاتورك تعني أبو الأتراك ـ وغير الكتابة لتصبح بالحروف اللاتينية, مثل اللغات الأوربية. ولكن التراث المعماري, والفنون في المساجد, وكتابة القرآن الكريم, وغيرها, لا تزال تحتفظ بالخط العربي الجميل شاهدًا على حرفية الخطاط وقدرته الفنية المذهلة.

وفي المتحف غرفة العروس التي تحتفل بليلة الزفاف أو ليلة الحناء محاطة بنساء الأسرة , يخضبن بالحناء يديها برسوم بديعة. وبجانبها غرفة الاحتفال بالمولود الجديد. وهناك غرفة جميلة كل زينتها من الخشب بمشغولات ربما لم تعد موجودة الآن في البيت التركي, لكن المحبين لها يذهبون لشرائها من الأسواق التقليدية بمبالغ كبيرة, وتمتلئ بالمرايا, والمناضد, والخزانات, والإطارات, وأيضا الحواجز المميزة بفن الأرابيسك. وإذا كان جدنا يجلس في هذه الغرفة فإن جداتنا كن يجلس في غرف تناول القهوة التي تزدان بالكثير من الأدوات ويعرفها الأصدقاء في الخليج وبلدان عربية أخرى.

وأخيرًا قبل أن أودعكم أعرفكم على محل الحلاق, ولعلكم ترون صديقا لكم ينتظر دوره في الحلاقة. كما يسرني أن تستمعوا إلى آلة القانون التي تنبعث أنغامها من غرفة الموسيقى. وفي المتحف لا تنسوا بعض دلائل المهارة في صنع منابر المساجد والتي عرفت في الفن المعماري التركي ومساجده المنتشرة من قارة آسيا إلى قارة أوربا, فبلدي يجمع بين القارتين, ومدينتي استانبول هي الوحيدة في العالم التي لها جزء في قارة وجزء في قارة أخرى.

 


 

أشرف أبو اليزيد