حكاية من أمريكا الجنوبية

حكاية من أمريكا الجنوبية

كيف ظهرت النجوم?

رسـوم: حلمي التوني
ترجمة: ساميـة دياب

كما هي العادة, أشرقت شمس الصباح الساخنة على قرية قبيلة (برورو). وكما هي العادة, كان الرجال بعيدا, يصطادون في الغابة الكثيفة الخضراء. وكما هي العادة, ذهبت النساء إلى الحقول لجمع (كيزان الذرة), وكالعادة, كان هناك ولد صغير ضئيل الحجم بقي مع جدته.

كان (الصغير) يتمنى أن يذهب إلى حقول الذرة, لأنه كان بارعا في معرفة مكان (كيزان الذرة). فقد كان الولد ضئيل الحجم جدا لدرجة أنه كان يستطيع أن يغوص تحت أقدام سيقان نبات الذرة الطويلة, ويتلوى بينها فيكتشف (كيزان الذرة) التي سقطت على الأرض. على أي حال, لم يكن الصغير يرفض البقاء مع جدته. فقد كان لدى الجدة ببغاء مدلل, وهو طائر ذو ألوان كثيرة براقة, وكان يستطيع الكلام. إن الصغير كان يحب أن يساعد جدته في تعليم الطائر كلمات جديدة. إلا أنه كان يحب أيضا الذهاب للحقول.

في ذلك الصباح بالذات, عادت النسوة مسرعات إلى القرية بعد ساعة أو ساعتين فقط, وكانت سلالهن فارغة, ووجوههن مليئة بالقلق. قلن للصغير: (لم نستطع أن نجد كيزان ذرة اليوم تعال معنا وساعدنا إن استطعت ذلك). قطب الصغير حاجبيه, ثم جرى إلى الحقول. فوجد فعلا كيزان الذرة, كوزاً بعد آخر... بعد آخر... بعد آخر.

وسرعان ما امتلأت سلال النساء, ثم جلسن تحت ظلال بعض الأشجار الوارفة, ورحن يثرثرن ويغنين بسعادة, وهن يقشرن كيزان الذرة الحلوة. بعد ذلك رحن يسحقن الذرة الحلوة على الرحى حتى صارت دقيقا ناعما. بعد ذلك, كن يصنعن من الدقيق فطائر شهية للعشاء, لكم سيسعد أزواجهن عندما يعودون من الصيد!

بدأ الصغير يشعر بالغيرة وهو يراقب النساء. قال في نفسه: (أنا من وجد كيزان الذرة! إذن, يعتبر هذا الدقيق في الحقيقة ملكاً لي. وعليه فإن معظم الفطائر لابد أن تكون من نصيبي أنا وأصدقائي!).

كانت النسوة منهمكات تماما في العمل والحديث, حتى أنهن لم يلحظن (الصغير) وهو يتسلل بينهن, مرة بعد مرة, كان الصغير يغافل النساء ويغترف حفنة من الدقيق, وكان يفر بها ويخفيها في ثقب وسط عود البامبو. سرعان ما ملأ الصغير الكثير من أعواد البامبو حتى صار لديه دقيق كثير يكفي وليمة!

في طريق عودته إلى القرية, لمعت عيناه بالجشع. وابتسم في سره. ضحك الصغير وهو يفرغ أعواد البامبو من الدقيق الذي كان ينهمر منها وقال لجدته: (جدتي, انظري! هل يمكن أن تصنعي من هذا الدقيق فطائر لي ولأصدقائي?).

اتسعت عينا الجدة من الدهشة, قالت وهي تلهث: (أيها الصغير, من أين حصلت على كل هذا الدقيق?).

صاح الببغاء بصوت عال مكررا كلماتها: (الصغير!).

سألت الجدة بصرامة: (إنك لم تسرقه, أليس كذلك?).

كذب الولد وقال: (بالطبع لا. لقد وجدت الكثير من كيزان الذرة). ثم أردف متبجحاً: (ثم إن النساء لديهن من الدقيق ما يكفي وزيادة. وقلن لي إنه يمكنني أن آخذ منه قدر ما أستطيع أن أحمل).

صاح الببغاء وقد تعلم كلمة جديدة أخرى: (أحمل).

عبست الجدة. لم تعرف هل تصدق حفيدها الشقي, أم لا.

راح (الصغير) يستعطف جدته وهو ينظر إليها بمنتهى اللطف: (جدتي, من فضلك).

ابتسمت الجدة: (أوه, حسن إذن).

وعلى الفور, تسلل (الصغير) وراح يدور بالقرية داعيا أصدقاءه لوليمته. في أثناء ذلك, كانت الجدة قد عايرت, وصبت, وخلطت, وحمرت. وانبعثت الرائحة الشهية من فرنها.

قالت الجدة في سرها مفكرة, وقد عاودها القلق مرة أخرى: (في الحقيقة, هذا دقيق كثير. بالتأكيد لم تسمح النساء للصغير بكل هذا الدقيق).

وقد زادت مخاوفها عندما شاهدت الأطفال وهم يلتهمون الفطائر. فقد كانوا يتهامسون ويضحكون بصوت خافت, وكأن بينهم سراً سيئاً.

غمغمت الجدة: (هل الصغير لص?).

صاح الببغاء: (لص!) (لص! لص!).

سكت الأطفال المذهولون.

فكر الصغير: (إن هذا الطائر عرف أنني سرقت الدقيق! سوف يفضحني!).

ومن الفزع, انتزع (الصغير) الببغاء من قفصه, وقطع لسانه. قال بعض الناس إنه أسف في التو على ما فعل بالببغاء. وقال آخرون إنه لم يعر الأمر أي اهتمام, على أي حال, مهما كان الأمر, فإن العمل السيئ وقع - وكما تعلمون فإن الشر يتلبس الشخص مثل المرض. هرب الأطفال, وكان الدقيق المسروق, وبقايا الفطائر حول أفواههم, ثم راحوا يضحكون مقهقهين وهم يفتحون كل أقفاص الطيور في القرية, وتركوا كل الحيوانات الأليفة تهرب.

جلس (الصغير) مطرقا, ورأسه بين يديه. راح يئن: (كل هذا خطئي أنا. عندما يعود الكبار ويكتشفون ما فعلنا, سوف يعاقبوننا جميعاً!).

قرر الصغار أن هناك حلا واحدا لهذه المشكلة. لابد لهم أن يهربوا إلى حيث لا يجدهم الكبار. كانوا يعرفون أن الكبار ليسوا متسلقين مهرة, لأن أوزانهم ثقيلة جدا, وبناء على ذلك, قرر الأطفال أن يختبئوا في السماء. كان لابد أن يجدوا نباتاً متسلقاً طويلاً. ثم طلبوا من الطائر الطنان أن يطير بأحد أطراف النبات المتسلق إلى السماء ويربطه هناك بسرعة. أخيراً, تدافع الأطفال واحدا بعد الآخر, متسلقين النبات الطويل, ومنه صعدوا إلى السماء.

في ذلك الحين, تركت النساء حقول الذرة وكن في طريقهن إلى البيوت, وما إن اقتربن, حتى أحسسن بأن شيئا سيئا قد وقع, ذلك لأنهن لم يسمعن أصوات الأطفال السعيدة وهم يضحكون ويلعبون. بل إن القرية كانت ساكنة تماما, فيما عدا جدة (الصغير) التي كانت تندب ببغاءها المسكين.

النسوة الخائفات, تركن سلالهن, وجرين بجنون داخل وخارج البيوت. لقد اختفى كل أطفالهن! فجأة رأين ساقي آخر طفل كان يتسلق النبات الصاعد في اتجاه السحاب. وبسرعة, جرت النسوة اليائسات إلى النبات ورحن يتسلقنه.

كان الأطفال على حق, إن الكبار كانوا ثقيلي الوزن جداً, فلن يقدروا على اللحاق بهم. تفكك النبات وصم الآذان بصوت تصدع (تك... تك... تك), فراحت كل أمهات الأطفال, والأخوات, والخالات, وبنات الخالات, يتشقلبن في الهواء وهن يصرخن.

لحسن الحظ, كانت الأرض رحيمة بالنساء المسكينات اللائي كن يحاولن اللحاق بأطفالهن الأحباء. لم تمت النسوة عندما اصطدمن بالأرض, بل تحولن إلى كل أنواع الحيوانات التي تعدو, والتي تتلوى, والتي تتقافز.

في هذا المساء, عندما عاد رجال القرية من الصيد إلى البيوت, وجدوا كل النساء والأطفال قد اختفوا بطريقة غامضة. والأكثر غرابة, أنه كانت توجد أضواء غريبة في السماء لم تكن موجودة من قبل.

نعرف الآن أن هذه الأضواء هي النجوم, حيث مازال الأطفال محبوسين في السماء ولم يكبروا أبدا. ونعرف أن النجوم هي عيونهم التي تتلألأ بالدموع, لأنهم كانوا يبكون ندماً على ما فعلوه من أخطاء.

 

 


 

نايـس بيكـــر