بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

لغز البحيرة الحمراء

انطلقت السيارة مبتعدة عن العاصمة السنغالية (داكار), وبعد ساعة على الطرق الترابية الشاقة عبرت السيارة درباً بين بساتين شاسعة من أشجار المانجو. كانت ثمار المانجو كبيرة ذات لون أصفر ذهبي وخدود حمراء تغري بالأكل. قال الأب الذي يقود السيارة لأولاده (طبعا ستقولون لي توقف لنتذوق ثمار المانجو)? لكن الأولاد فاجأوه برفضهم في صوت واحد: لا. نحن لا نحب المانجو, لا نريد مانجو, نريد أن نرى اللغز, وكان الأب قد وعدهم بأن يريهم شيئاً عجيباً, وسيتركهم يحاولون كشف سرّه بأنفسهم, وإذا عجزوا سيفسره لهم مقابل تنفيذ شيء واحد يأمرهم به.

قبل أن تخرج السيارة من آخر بساتين المانجو أحس الأولاد بتغيّر الجو, صار الهواء الذي يدخل من نوافذ السيارة بارداً وكأن الصيف قد انقلب شتاء. عندئذ قال والدهم: (الآن اغمضوا عيونكم ولا تفتحوها إلا عندما تتوقف السيارة). توقفت السيارة وفتحوا عيونهم, فأذهلهم المنظر وجعلهم يصيحون في وقت واحد: (هاا). لقد رأوا بحيرة واسعة لكنها حمراء.

نظر إليهم الوالد بابتسامة يسألهم: (والآن... من سيكشف لي لغز لون البحيرة?).

اندفع الولد الصغير قائلاً: (إنه دم... دم حوت كبير أصابه صياد بجرح). هز الأب رأسه قائلاً: (البحيرة ليس بها حيتان ولا حتى أسماك صغيرة). قالت البنت: (لعله حبر أحمر سكبوه في البحيرة لتصير حمراء ويجذب لونها السياح). ابتسم الأب هازا رأسه, وبدلاً من الرد بالكلمات أخذ الأولاد إلى حافة البحيرة وجعلهم يغترفون المياه في أكفهم وينظرون إليها. لم تكن المياه حمراء... بل شفافة لا لون لها.

سأل الولد الأكبر والده أن يساعده قليلاً في حل اللغز. فأشار الوالد إلى أكوام بيضاء تتراص بانتظام على الشاطئ بعيدا عن الماء. وكانت هذه الأكوام البيضاء يستخرجها عمال وعاملات من قاع البحيرة ويجلبونها إلى الشاطئ في بطون قوارب مسطحة صغيرة. ظنها الولد رمالاً بيضاء في أول الأمر لكنه عندما تجرّأ والتقط منها حبة وضعها على طرف لسانه اكتشف أنها ملح. لكنه لم يستطع معرفة علاقة الملح بلون البحيرة الأحمر.

أخيراً تكلم الأب, قال: (إن البحيرة تبدو حمراء دون أي تغيير في لون مياهها. والسبب هو الملح الذي يترسب بكثافة على القاع الضحل للبحيرة. ولأن الملح يتكون من بلورات, تقوم البلورات بتحليل ضوء الشمس الذي يسقط على سطوحها ولا تعكس منه إلاّ اللون الأحمر).

انتظر الأولاد أن يعلن والدهم عن الأمر الذي اشترط أن ينفذوه إذا عجزوا عن حل اللغز. ولم يكن هذا الأمر إلاّ: (أن يقتصر غداؤهم على صنف واحد... هو المانجو... فقط... لا غير!).

 


 

محمد المخزنجي

 




ماذا يستخرجون من قاع البحيرة الحمراء؟