في ليلة شتوية

في ليلة شتوية

رسوم: محسن أبوالعزم

على لسعات ألسنة النار المتصاعدة من (الدوة)* كنا نستدفئ. أمواج الهواء الباردة ترتطم بالجدران وشبابيك الغرفة الخشبية فتصدر أصواتا مزعجة, تبدو لنا في بعض الأحيان وكأن لصوصا يريدون اقتحام المكان أو أشخاصها لا مرئيين يريدون مشاركتنا جلستنا, يسري شيء من القشعريرة في أبداننا نلتصق حول (الدوة) فاردين أيدينا باعثين الدفء إلى أجسادنا من خلال الحرارة التي تتلقاها, استدارت جدتي نحو صندوقها تستخرج منه علبتها الفضية, كانت الغرفة تمتلئ برائحة الفحم والحطب, لحظات وألقت ببعض أعواد البخور إلى النار المتقدة فعبق المكان برائحة طيبة ثم باعدت ما بين ساقيها وجعلت (الدوة) بينهما, امتلأت ثيابها بالدخان المعطر وكان يتصاعد خيوطا من ملابسها, عادت لمكانها وأحنت رأسها وبيديها حركت خيوط الدخان المتصاعدة نحو (لفحتها) السوداء التي غطت بها بقايا شعرها الأحمر اثر الحناء الذي تضعه كل فترة.

دسسنا خلسة بعض (الكستناء) ما بين قطع الفحم وأهلنا عليها بالملقط بعض الجمرات المتقدة, سألتنا جدتي: ما الذي وضعتموه في (الدوة)? - كانت تخشى أن يفسد ما وضعناه رائحة بخورها - أجبناها: كستناء!

- وما هذه الـ.. ك.. ما هذه أيا ما كان اسمها?

- أبو فروة!

- أبو فروة!

- كلها شيء واحد يا جدتي, عندما تتذوقينها ستعجبين بمذاقها.

تسربت رائحة الشواء فازدادت شهيتنا لالتهامه, تنشقت جدتي الرائحة وعلقت بعد أن تنهدت - لا أحمل من رائحة (الفقع)** المشوي! - وأغمضت عينيها وكأنها تفسح المجال لأنفها ليركز إحساسه في رائحة تاريخية عابرة.

تك, تك, أعجزت تكتكات (الكستناء) المشوية استغراق جدتي في خيالها, وعندما استخرجنا الشواء وقشرناه قدمنا إحداها لها, لم تستطع مضغها كانت صلبة بعض الشيء فأعادتها بشيء من الحسرة: ماذا لو كانت فقعة!
_________________________

* مدفأة الفحم.
* * نبات الكمأ.

 


 

لطيفة بطي