الإسلام حضارة.. هيثم صبري

الإسلام حضارة.. هيثم صبري

أبواب المدن الإسلامية

كل منا لديه أبواب عديدة في بيته، ربما يصل ارتفاع الواحد منها الى مترين، ولكنها رغم ذلك صغيرة للغاية إذا قارناها بالبوابات في المدن الإسلامية الشاهقة، التي تظل مفتوحة على مصراعيها طوال ساعات النهار.. وفي المساء حين يصعد الصبية لبيوتهم لتناول العشاء، وتقل حركة البيع والشراء، ستغلق تلك الأبواب، التي يحرسها رجال الأمن، لسلامة أهل المدن.

حول كل المدن الإسلامية القديمة، كانت الأسوار التي يوجد بها عدة أبواب، تحار في كيفية صنعها الألباب، حتى تقوم بحماية المدن الكبيرة. يمكنك ملاحظة الانحناء في كثير منها جهة اليسار، حتى يؤخر العدو القادم من خارج الأسوار، ويعطي الجيش المدافع الفرصة لمواجهة الأشرار.

وفي العالم الإسلامي سنجد العديد من تلك الأسوار وبها البوابات الضخام، وخاصة في دمشق وبغداد والقاهرة، ومدن الأندلس (إسبانيا حالياً)، وقد زين أعلاها بنقوش الخط العربي الأصيل، سواء بأبيات الشعر الجميل، أو بآيات القرآن الكريم التي تقول: ادخلوها بسلام آمنين .

بوابات القاهرة

بنى جوهر الصقلي سورًا كبيرًا يلف مدينة القاهرة، بمعاونة عمّال ومهندسين ذوي عقول ماهرة، وفتح في السور ثمانية أبواب، وشيد بجوار معظمها القباب، فهناك اثنان في السور الشمالي، وهما باب الفتوح، وبجواره باب النصر، ومثلهما في السور الجنوبي هما باب زويلة، وبجواره باب الفرج، وأربعة أبواب في أجزاء مختلفة من ذلك السور، من بينها باب القراطين أو الباب المحروق.. وقد عرف بهذا الاسم العجيب لأن سبعمائة مملوك هربوا من القاهرة، عندما علموا بأن أميرهم أقطاي قد قتل، وأن هلاكهم ليس ببعيد، فتركوا مساكنهم أثناء الليل، والشوارع خالية، وحين وصلوا إلى الباب وجدوه مغلقاً، فأوقدوا فيه النار، حتى سقط من الحريق الذي شب، وتسللوا واحداً بعد الآخر.

أما باب الفتوح فله قصة جميلة، ولكن ليست في استخدام الحيلة، مثلما فعل المماليك، بل في تطور العمارة الإسلامية، التي ظهرت في تكويناته جلية، فأعلاه مقوس القاعدة، ونحتت جوانبه بحجارة على هيئة وسائد حجرية، صغيرة مرصوصة جنباً إلى جنب، كما يتوج مدخله مجموعة من العقود، مزينة بأشكال الأزهار والنجوم والفصوص، وتعلو ممر البوابة قبة صغيرة. وهذا الباب موجود حتى الآن بكامل بهائه، ويفضي إلى داخل شارع المعز الذي يمتلئ بالآثار الإسلامية.

بوابات بغداد

كانت مدينة بغداد محصنة بسور عظيم، يخشاه من الناس الضعيف والعظيم، وكانت لها أربعة أبواب رئيسية، هي باب الكوفة في الجهة الجنوب غربية، وباب البصرة في الجهة الجنوب شرقية، وباب خراسان وباب الشام في الجهة الشمالية، وكانت مداخل كل الأبواب منحنية، حتى تزيد من فرص الدفاع عن المدينة.

وكانت الأبواب الأربعة لها أربعة آلاف بواب.. فقد عيّن الخليفة المنصور على كل باب منها ألف رجل، كما بنى أمام كل مدخل بابين عظيمين من الحديد، ومن النحاس الشديد، وكان على كل باب مجلس به غرفة مربعة، تعلوها قبة مذهبة، يبلغ ارتفاعها خمسين ذراعاً، وعلى رأس كل قبة تمثال تديره الريح كما لو كان شراعاً.

وفي مدن الأندلس، مثل غرناطة، كان هناك عشرون بابا، لم يبق منها سوى القليل، وكذلك الحال مع مدينة قرطبة.

خلف البوابات
شوارع وحوارٍ وأزقة

بعد أن تعبر من بوابة المدينة الإسلامية، ستقابلك مبانٍ وتمشي في أسواق وتشاهد بيوًتا وحمامات كثيرة، ربما تعجبك تلك الرحلة المثيرة، فتمشي في الشوارع والحواري والأزقة والخطط والعطفات ولكن، هل تعرف كيف كان تخطيط المدن الإسلامية، وتقسيم شوارعها وميادينها؟ تعال نسر معًا في شوارع المدن، ونتعرف على أسماء الحواري والأزقة والزنقات.

لقد وضع المسلمون تسميات كثيرة للشوارع منذ بداية الفتح الإسلامي لمصر، وحتى نهاية العصر المملوكي. عرفوا الخط والحارة والعطفة والزقاق والزنقة والسقيفة.

والخط هو شارع كبير يقسم المدينة كلها إلى مجموعة حارات، مليئة بأماكن السكن. وشارع المعز لدين الله الفاطمي كان يسمى بالخط، فهو شارع كبير يمتد من باب الفتوح وينحدر إلى باب زويلة، وكان يتفرع من هذا الخط عدة حارات، كل حارة منها تعتبر حياً كاملاً، وداخل هذه الأحياء تقع المنازل والمساجد والحمامات والأسواق، وكان لكل حي بابه الذي يغلق عليه في الليل.

ولكن الزقاق يختلف قليلاً عن الحارة، فهو أضيق بكثير، ويصل شارعاً بآخر. وغالباً لم يكن للأزقة اسم يطلق عليها، باستثناء بعض الأزقة الشهيرة مثل زقاق بيت المال أو زقاق المدق.

وكان يطلق على الشوارع الملتوية اسم العطفات، وهي شوارع ضيقة لا تستطيع أن ترى آخرها مادمت خارجها، فهي ملتوية وتسير فيها حتى تصل إلى نهاياتها، التي تفضي إلى حارة أو شارع كبير.

 


 

هيثم صبري