الفتاة الذكية

الفتاة الذكية

يحكى أنه تكفل أحد الرجال الطيبين بأخته وابنتها بعد وفاة زوجها فأنشأ لهما دارا ملاصقة لداره, وكان يقوم على أمرهما بكل كرم ويحدب عليهما حتى أن الفتاة لم تشعر بآلام وقهر اليتم فكان لها ذلك الخال بمنزلة الأب الحنون الذي يرعاها.

وفي إحدى الليالي كانت الأم تغط في نومها وبقربها تستلقي ابنتها التي شعرت بحركة مريبة ظلت تنصت لها حتى تتيقن من صدق احساسها وسمعها فأدركت أن لصا بالجوار يقوم بحمل ما خف وزنه وغلا ثمنه من متاع وفره لها وأمها الخال الطيب.

تظاهرت الفتاة بالنوم وتابعت اللص بعينها المغمضة نصف إغماضة حينما خرج اللص من الغرفة سائرا في طريقه قرب النافذة, فاسترعى انتباهه صوت الفتاة وهي توقظ أمها لأنها تريد أن تطرح عليها سؤالا مهما, تساءل اللص في نفسه: أي فتاة غبية هذه التي توقظ أمها في منتصف الليل لتطرح عليها سؤالا? سأنتظر لأسمع هذا السؤال الغبي!

استيقظت الأم على صوت ابنتها ويديها اللتين كانتا تهزانها هزا رقيقا: ماذا يا ابنتي ماذا حدث هل أنت مريضة, جائعة, عطشانة?

- لا يا أمي لكن أريد أن أسألك سؤالا مهما, أمي هل سأكبر?!

دهشت الأم لسؤال ابنتها وكاد اللص أن ينفجرضحكا عندما سمع السؤال المهم للفتاة!

- حسنا يا ابنتي ستكبرين إن شاء الله لكن عودي للنوم الآن, ظننت شيئا خطيرا قد حدث!

لم تعد الفتاة للنوم وطرحت سؤالا آخر: أمي عندما أكبر هل سأتزوج?!

- آه ما هذا السؤال?! وضعت الأم يدها على جبين ابنتها علها تشكو من حمى أو حرارة واللص يكاد يفقد أعصابه من أسئلة الفتاة: نامي الآن يا ابنتي وعندما تكبرين سنرى من ذاك الفارس الذي سيتقدم للزواج منك!

- أمي وهل سأنجب صبيا جميلا?

- الحق يا ابنتي لا أعلم ما الذي حدث لك الليلة, هل أنت متأكدة من أنك بخير ولا تشكين من تعب ما?! نعم أتمنى من الله أن يرزقك بأبناء وبنات يملأون حياتنا بهجة وشقاوة, هل لك أن تنامي الآن نحن في منتصف الليل.

- أمي, وهل سيصاب طفلي الجميل بالحصبة?

تذمر اللص في مكانه وكاد يكسر قضبان النافذة ليقول للفتاة كم أكرهك وأكره أفكارك الغبية التي تزعجين بها أمك, ورشفت الأم الماء وقدمت بعضه لابنتها قائلة: الحصبة شر لا بد منه ولقد أصبت أنا وخالك بالحصبة لكن الشفاء من الله, وان شاء الله سيتمتع أبناؤك بالصحة والعافية, هل لك أن تعودي للنوم الآن وتتركي عنك هذه الأفكار المزعجة!

لكن الفتاة فجأة أجهشت بالبكاء وصاحت: وسيموت طفلي وسأضمه صـارخــة يــا عبــدالله, يا عبداللــه, يا عبدالله.

صم اللص أذنيه أمام صرخات الفتاة التي اخترقت سكون الليل والأم مضطربة تحاول تهدئتها, وما هي إلا لحظات حتى تم دفع وكسر باب الغرفة وانطلق الصوت مدويا: ماذا حدث يا ابنة أختي? لم الصراخ والنداء?

تشبثت الفتاة بخالها وقالت: دونك اللــص يا خالي عبدالله قرب النافذة!

أسرع الخال بإشهار خنجره وراعه أن اللص كان يقف متجمدا قرب النافذة وقد تساقطت الأمتعة التي كان يحملها من بين يديه, سارع الخال بنزع اللثام عن وجه اللص فهاله أن يرى أن اللص لم يكن سوى التاجر مشهور: هل هذا معقول?! التاجر مشهور يسطو على المنازل? لماذا هل ينقصك المال حتى تعوضه من منازل الفقراء والبسطاء?

أطرق التاجر خجلا وردد: كم أشعر بالأسف للحال التي وصلت إليها, السرقة داء استحكم فيّ ولم أستطع مقاومته, لكنني أعاهد الله الآن وأعاهدك أنني قد تبت عن السرقة منذ اليوم وسأعيد المسروقات لأصحابها وأعوضهم عن كل ما فقدوه.

أطلق الخال سراح التاجر بعد أخذ العهد منه, وهو يشعر بالفخر لذكاء ابنة أخته.

 


 

لطيفة بطي