مُتحفُ الجَدَّةِ جُوليَا في بيشيلية الإيطالية.. أشرف أبو اليزيد
مُتحفُ الجَدَّةِ جُوليَا في بيشيلية الإيطالية.. أشرف أبو اليزيد
عدسة: أشرف أبو اليزيد كلُّنا نحبُّ جداتنا. الجدات الحنونات اللاتي يجلسن كل مساء ليقصصن علينا ذكرياتهن عن الأقارب والصحاب، منذ سنوات بعيدة. وحين ترحل الجدات نتذكر الابتسامة التي كانت على وجوههن، والضحكة التي كانت فوق شفاههن، ونتذكر أيضا ماذا كن يصنعن لنا من كعك، وماذا كن يجلبن لنا من هدايا. وكثيرًا ما نستعيد اللحظات السعيدة والمرحة معهن حين نطالع الصور التي تجمعنا بالجدات. ما أجمل تلك اللحظات! نحن الآن في مدينة صغيرة اسمها بيشيلية، تقع على الساحل الجنوبي الشرقي من إيطاليا (إذا تخيلنا أن خريطة إيطاليا تشبه حذاء فإن بيشيلية عند كعبها!). تمنيت أن أرى المدينة من أعلى نقطة فيها، ولذلك قلنا لا بد من صعود البرج. دخلتُ مع الدليل لأجد أن الطابقين الأرضي، والعلوي من البرج عبارة عن متحف يستعيد صورة الحياة في المدينة منذ سنوات بعيدة. دون أن أعيش في بيشيلية القديمة عرفت، من خلال الأدوات المعروضة، كيف كان يحيا الناس أيام زمان. لا بد أن الخيول كانت منتشرة بدلا من السيارات العصرية، ولذلك فإن المتحف يضم أكثر من لجام كالتي يسرج بها الجياد اليوم. ولم تكن هناك كهرباء، لذلك رأيت الكثير من المصابيح التي كانت تشعل بالزيت. وكانت الآبار منتشرة لجلب الماء العذب، ونقله، لذلك رأيت أكثر من سطل (دلو) معدني. لكن ما سر اسم المتحف؟ الحقيقة أنني أطلقت عليه هذه التسمية من عندي، فالجدة التي رأيتها ترعى الأطفال في نموذج البيت المعروض لم أكن أعرف اسمها، ولكن لأن اسم جوليا شائع هناك، قلت لعل اسمها كان كذلك، فأطلقت عليها الجدة جوليا. بعض مقتنيات المتحف تدل على أن الجدة جوليا وجاراتها كن يعملن المعكرونة والمعجنات الإيطالية الشهيرة في البيوت. كيف عرفت؟ الأمر بسيط، إنها آلات تشكيل العجين اليدوية الكثيرة والمنوعة الموجودة في المتحف. وعرفت أيضا شطارة النسوة في عمل منتجات كثيرة من الحليب، كالجبن والزبد والزبادي واللبن الرائب. لقد ذكرني ذلك بالنسوة العربيات في الأرياف في قرى الوطن العربي. ولا شك أن قراء العربي الصغير يعرفون جدات كثيرات يحلبن الماعز، ويحولن الحليب إلى أجبان، أو يمزجنه بالدقيق لصنع معجنات شهية. ربما كان زوج الجدة جوليا يعمل إسكافيًا، أي مصلح أحذية، لأنني وجدت في واجهة المحل، تحت السلم الخشبي الصاعد إلى أعلى، كرسيًا ومكتبًا وعددًا من نماذج قوالب الأحذية، وأدوات خياطة الجلد، ومسامير تثبيت النعال. وابتسمت وأنا أرى بعض ألعاب الأطفال، ومنها سيارة صغيرة حمراء بمقود في المنتصف. تعرفون ماذا تمنيت حين غادرت متحف الجدة جوليا؟ لقد أحببت أن أنقل إليكم فكرة راودتني وهي أن يصنع كل منا متحفا لجدته، يضع فيه صورها التي تجمعه معها، وصورها العتيقة أيضا ـ ربما في حفل زفافها قبل خمسين عامًا ـ ومناديل يدها المطرزة، وشراشف الأسرة الملونة، وصندوق الهدايا النحاسي، وربما بعض ملابسها، وشيئا مما استخدمته، كفنجان قهوة، أو طبق بورسلين، أو إناء زجاجي. فيصبح عندنا متحف خاص لجداتنا. وقد أزوركم يومًا ما لأكتب عنه وأصوره، وأعرضه لأصدقائنا. أو لعلكم تصورونه وترسلون صوره إلى العربي الصغير باسم: متحف الجدة عائشة، أو الجدة زهراء، أو الجدة عزيزة، وتحيتي لكل جدة عربية.
|