بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

من يخبئ رأسه في الرمال?

أنا نعامة.. نعامة بريّة, إفريقية, وعندي عتاب على البشر, فهم يضربون بي المثل في الجبن, ويزعمون أنني أخبئ رأسي في الرمال عند مواجهة الخطر, وهذا غير صحيح.

إنني أعيش في السهول القاحلة الواسعة, جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى.. أبحث عن قوت يومي باجتهاد, وأجده في فواكه وحبوب وأوراق النباتات البرية. أما الماء الذي يندر وجوده في الأماكن الجافة التي أعيش فيها, فإنني أحصل عليه مع النباتات التي آكلها. أعيش حياتي الحرة بيقظة وانتباه, حتى لا أقع فريسة سهلة لنمر شارد, أو قطيع من الذئاب, يساعدني في ذلك ارتفاع رأسي الذي يصل إلى ثلاثة أمتار فوق سطح الأرض, فتكشف عيناي الخطر على مسافة بعيدة قبل أن يقترب مني, ثم إنني أجيد العدو أمام الوحوش, وتبلغ سرعتي نحو سبعين كيلومتراً في الساعة, عند الضرورة. هكذا أعيش, وتطول حياتي حتى تصل إلى مائة سنة في كثير من الأحيان.

إننا - معشر النعام البري الإفريقي - نعيش في نظام أُسريٍّ, وكل أسرة تتكون من ذكر وخمس إناث تقريباً. وعندما يحين موسم وضع البيض, تتعاون الأسرة كلها في عمل حفرة كبيرة ناعمة الحواف في الأرض الترابية. تضع كل الإناث بيضاتها في الحفرة, ويصل عدد البيضات إلى أربعين بيضة عملاقة يقارب حجم كل منها حجم كرة قدم, ثم نختار أنثى واحدة مميزة تنال شرف الرقاد على البيض لمدة خمسين يوما حتى تفقس البيضات. ولا يكون هدف رقاد هذه الأنثى على البيض أن تدفئة كما عند الطيور الأخرى, بل على العكس, أن تبرِّده وتحميه من حرارة الشمس الإفريقية, ولأن جسم نعامة واحدة لا يستطيع تغطية كل هذا العدد من البيض في الحفرة,فإن النعامة المختارة لا تكف عن تقليب هذا البيض, دافعة البيضات التي تكون عند الأطراف نحو المركز, ومبعدة ما كان عند المركز نحو الأطراف, كما أنها تميز بيضها الخاص بتحريكه نحو بقعة محددة ليلامس منطقة عارية من الريش عند صدرها.

هذا التقليب المستمر للبيض داخل الحفرة, والذي تؤديه النعامة بمنقارها وجوانـــب رأسها, لا بد أن بعض البشر رأوه منذ زمن بعيــد, وحسبوا أن النعامة تدفن رأسها في الرمال خوفاً منهم, وأشاعوا أن النعام يدفن رأسه في الرمال عند اقتراب الخطر. لم يدققوا, ولم يفهموا, وظـــلوا يتوارثون خطأ التفسير جيلاً بعد جيل, مرددين على أسماع بعضهم البعض في ثقة عمياء: (لا تكن كالنعامة.. تدفن رأسها في الرمال عند الخطر!!).

 


 

محمد المخزنجي