بيتنا الأرض.. محمد المخزنجي

بيتنا الأرض.. محمد المخزنجي

في فوضى إنفلونزا الطيور: ديك صحيح خرج من الكيس يصيح كو كو كو كوووووك، هكذا يبدأ الديك كلامه، ثم يسترسل ويقول: أنا ديك، ديك عادي كنت أعيش في مزرعة كبيرة بها عشرات الديوك غيري، ودجاجات عديدة تبيض، ومئات الفراريج الصغيرة. سمعنا عن انتشار مرض إنفلونزا الطيور، وأصابنا هذا بالحزن والفزع. ولما حبسنا صاحب المزرعة في العنبر ولم يسمح لنا بالخروج لنجري ونرفرف تحت الشمس في فناء المزرعة، قلنا لابأس فهو يريد أن يحمينا من الاختلاط بالطيور البرية المهاجرة التي سمعنا أنها أهم أسباب نقل المرض إلينا.

مضت عدة أيام ونحن في العنبر المقفول راضين بحبسنا، لكننا فوجئنا بهجمة هوجاء من رجال لاتظهر غير عيونهم من أقنعة بيضاء بلون الأفرولات التي كانوا يرتدونها، وراحوا يرموننا في أكياس كبيرة ونحن نرفرف رعباً ونصيح، ووجدت نفسي في أحد هذه الأكياس محشوراً مع عشرات الطيور مثلي، وحملوا عشرات الأكياس المحشوة بمئات الطيور الحية في عربة، وألقوا بها جميعاً في حفرة وأهالوا عليها التراب.

لحسن حظي كانت ربطة الكيس الذي حشروني فيه غير محكمة، واستطعت أن أخرج من الكيس مع بعض الديوك والدجاجات، وأزحنا التراب وخرجنا من الحفرة نجري خائفين من الرجال المقنعين أن يمسكوا بنا مرة ثانية ويدفنونا أحياء. وفي طريق هروبنا التقينا ببعض الدواجن محروقة الريش التي هربت من محارق أعدها الرجال المقـنّعون أنفسهم.

إن منع وباء إنفلونزا الطيور من الانتشار هو أمر واجب، وهو لصالح البشر والطيور على السواء، لكن هل تجوز الوقاية من الوباء الذي هو شرٌ بطرق شريرة مثل دفن المخلوقات أو إحراقها وهي حية، هل يقبل البشر أن يحدث هذا معهم ؟ وإذا كان ضروريًا التخلص من بعض الطيور للوقاية من الوباء، ألا توجد طرق رحيمة للتخلص منها؟

بالتأكيد توجد طرق عديدة للوقاية، فالطيور المصابة بالفيروس المسبب للوباء تظهر عليها أعراض، منها الخفيفة التي تصيب أفراداً من الطيور مثل نقص إنتاج البيض وتجعُّد الريش، ومنها الشديدة التي تصيب أعداداً كبيرة وتؤدي لوفاتها بنسبة كبيرة تصل إلى 100% من طيور المزرعة كلها خلال 48 ساعة، ومن هذه الأعراض: الخمول وانتفاش الريش وفقدان الطائر لشهيته وارتشاح الأنف وصعوبة التنفس والتهاب الجفون واحتقان العرف وتهدله مع تورم شديد في الوجه، مع انخفاض شديد في إنتاج البيض الذي تكون قشرته لينة وغير صلبة.

فإذا كانت أعراض إصابة الطيور بالمرض واضحة هكذا، فلا مانع من التخلص منها، ولكن بطرق أخرى غير هذه الطرق الوحشية والأليمة التي تدفن المخلوقات وتحرقها وهي حية. أما الطيور التي لم يظهر عليها المرض فيمكن عزلها، وعزل البشر الذين يتعاملون معها مباشرة، لأن المخالطين للطيور هم أكثر المعرضين للمرض الذي ينتقل خلال إفرازات ودماء الطيور المصابة.

ومهما قيل في ضرورة الوقاية بإجراءات جادة تسابق الوباء، فإن الرحمة لابد أن تكون أساسًا في اتخاذ هذه الإجراءات. وأظن أن الصغار من البشر يفهمون ذلك أفضل من الكبار.

وكو كو كو كوووووك.

 


 

محمد المخزنجي