الفارس المزيف

الفارس المزيف

في قرية بعيدةٍ بعيدةٍ عن المدينة, كان يعيش ولد متعجرفٌ مدّعٍ ً اسمه (فارس). وكان (فارس) يدّعي أنه يستطيع القيام بأي عمل, ويعرف كل شيء, وكانَ يدسُّ أنفَهُ في كلِّ الأشياءِ.

في أحد الأيام, نادته جارته العجوز طالبة ًمنه أن يساعدَها قائلة له:

ـ أيها العزيز (فارس). أنت تعرف كل شيء, وتستطيع القيام بكل الأعمال. ساعدني, إذن, في حلِّ مشكلتي التي أعاني منها.

طبعاً, تحمسَ (فارس) للعجوزِ الطالبةِ منه بالذاتِ مساعدة. ولأنه متعجرفٌ, ولأنه مدّعٍ, جلس منفوخ الصدر يسأل بهدوءٍ:

ـ أيةُ مشكلة تواجهك أيتها الجدة?

جلست الجدةُ العجوزُ على كرسي خشبي قرب الشجرة التي في حديقتها وشَكَتْ بحرقةٍ:

ـ لم أعد أستطيعُ العيشَ الهنيءَ بسبب هذا الهر (القط) اللعين. إنه يلعق القشدةَ من فوقِ الحليب, ويقلب جرَّة السمنِ, ويكسر حوض السمكِ, ومع ذلك, يا بنيَّ, آهٍ ثم آهْ... أتحمله. إلا أنه, الآن, بدأ يصطاد صيصان الجيران (الصيصان: الأفراخ الصغيرة) مما أدى إلى نزاعات متواصلة بيني وبين جاراتي اللواتي أحبهن.

فكر (فارس) لحظات, ثم ابتسم قائلاً بزهو:

ـ الأمر بسيط جداً..موضوع هر?? في الحقيقة, أخشى, أيتها الجدة, ألا يكون الموضوع يستحق تدخلي أنا شخصياً.

الجدة العجوز عرفت أن (فارس) عنى بقوله هذا أنه أكبر بكثير من أن يتدخل في موضوع هر, لكنها رجته ثانيةً بوجه مليء بالأسى, فابتسم قائلاً:

ـ حسناً. أسرجي الحصان وأعطني كيساً قماشياً كبيراً.

أخذ (فارس) الهر الذي كان واقفاً عند قدميه من رقبته ووضعه في الكيس وقال بتعجرف:

ـ لن تري هذا الهر بعد الآن!.

قفز (فارس) على صهوة الحصان, ففرحت المرأة وقالت:

ـ الحمد لله. سأذبح دجاجة سمينة وأسلقها إلى حين عودتكَ أيها الفارسُ.

كان (فارس) يحب الطعام اللذيذ, خاصة طعام العجائز اللواتي يُتقنَّ فنَّ الطهو, فقال لها:

ـ أسرعي إذن..

توغل (فارس) بعيداً في الغابة, ثم توقف ونظر حوله, وفكر أن المكان مناسب جداً للتخلص من الهر.

حلَّ الكيس, وأخرج الهر ورمى به بعيداً بكل قوته. قفز الهر عدة قفزات فزعـــاً ثم قفز فجأة إلى ظــهر الحصان الذي جفـــل بدوره ورفع قائمتيه الأماميتـين, وانطلق يعدو بسرعة كبيرة.

حدث ذلك كله قبيل غروب الشمس. ورأى معظمُ سكان القرية كيف عاد الحصان وعلى ظهره فارس غير عادي!!

لقد وقف الحصان عند باب صاحبته. عندها, هوبْ! قفز الهر إلى الفناء, حيث سقط عند قدمي العجوز يلهث جوعاً وتعبا, وهو يموء: مياو...مياو...مياو....

حتى الجيران البعيدون سمعوا كلمات التوبيخ التي تفوهت بها العجوز عن (فارس), لكنهم, أيضاً, أحسوا أنها هدأت تماماً بعد قليل حين قدمت الدجاجة المسلوقة إلى الهر وقالت له:

ـ كُل..لقد طبختُ هذه الدجاجةَ للفارسِ العائدِ, وليس للفارس المزيف, ولهذا هي من حقكَ!

 


 

إيمان بقاعي