الحكيم العجيب

الحكيم العجيب

رسوم: حسان زهر الدين

في العُطلةِ الصيفيّةِ الماضيةِ زارَ سليمٌ عمّهُ في الرّيفِ، وعاشَ معهُ أيامًا ممتعةً، ثمَّ كتبَ عنهُ قائلاً:

عمّي صالح رجلٌ سعيدٌ، حياتُهُ عملٌ واجتهادٌ، وأيامُهُ أفراحٌ وأعيادٌ، عمّي صالح يسكُنُ القريةَ التي وُلد بها، محبوبٌ عندَ سكّانِ بلدتِهِ لأنهُ لطيفُ المعاشرةِ، حُلو الكلامِ، كثيرُ الابتسامةِ يعيشُ حياةً عجيبةً غريبةً، لكنّها ممتعةٌ هادئةٌ.

لوْ تسألُهُ: ماهي ساعتُكَ؟

يجيبُكَ عمّي صالح في زهْوٍ: ديكٌ يصيحُ وقتَ الفجرِ والظُّهرِ، وظلٌّ أراهُ معي يَمْشي كلَّمَا طلعَ البدرُ أوْ ظهرتِ الشّمسُ...

عمّي صالح يسمعُ الأغاني الجميلةَ منْ صوتِ العصافيرِ نهارًا، ونقيقِ الضّفادعِ ليْلاً، ويتابعُ أخبارَ الدُّنيا عبرَ أمواجِ الطبيعةِ وعَلى شاشةِ الأرضِ، فيرَى معجزاتِ الكونِ وهوَ يتأملُ مملكةَ النحلِ، ومسيراتِ جيوشِ النملِ، فهلْ يحتاجُ عمّي صالح إلى مذْياعٍ أو تلفازٍ؟!

عمي صالح فلاحٌ نشيطٌ، رياضيٌ يجري في سرعةِ البرقِ فيستنشِقُ الهواءَ النقيّ، له صوتٌ كالرّعدِ وقوّةٌ كالأسَدِ.

لمْ يزُرْ طولَ حياتِهِ طبيبًا لأنهُ سليمُ الجسمِ والعقْلِ... وإذا أصابَهُ داءٌ يعالجُ برحيقِ الزهرِ وبذورِ الأعشابِ وعسلِ النحْلِ.

حقًا إنهُ طبيبُ نفسِهِ كمَا قالِ...!!

كلَّ مساءٍ تُهديهِ دجاجتُهُ الحمراءُ بيضًا شهيًا، يجدُهُ في محضَنِ التّبْنِ، وحديقتُهُ الخضراءُ تطعِمُهُ خُضْرًا وفواكه، وزوجَتُهُ الزهراءُ تُهديِهِ خُبزًا يدويًا لذيذًا.

سألتُهُ مرّةً: عمّي صالح مَاهُو عنوانُ منزِلكَ؟

نَظَر نَحْوِي مُبْتسمًا، ثُمَّ قالَ: أسْكُنُ حديقَةَ الحُبِّ، في شارِعِ الحُرِّيةِ، حَي السَّعَادةِ، بلدية العصَافيرِ، ولايَةَ الاجْتهادِ، جمْهُوريَّة السَّلامِ.

وَسَألْتُهُ عَنْ رَقمِ منزِلِهِ فأجَابَني:

إنَّ رَقْم بيتِي يتغيَّرُ كُلَّ مساءٍ حَسْبَ عددِ حَبَّاتِ العَرَقِ التي تتصبَّبُ مِنْ جَبينِي أثْناءَ عَمَلي خلال كامِلِ النَّهارِ.

ضَحكْتُ لكلامِ عمّي صالح فَضمّني إلى صَدْرِهِ وقَبّلني، ثُمَّ قدَّمَ لي باقَةَ أزهارٍ وسلَّةَ فواكِهِ مِنْ ثمارِ حديقتِهِ.

إنَّهُ عمِّي صَالح... وإنّني أفكّرُ في العَيْشِ مِثْلهُ... وَسَأفْعَلُ.

 

 

 


 

رابح خدوسي