خوسيه مارتي شاعر كوبا الذي أحب العرب

خوسيه مارتي شاعر كوبا الذي أحب العرب

صوره: سليمان حيدر

مَن تتح له زيارة جزيرة كوبا الواقعة في حوض البحر الكاريبي قبالة المكسيك, سيجد في كل مكان يذهب تمثالا أو ساحة عامة تحمل اسم الشاعر الكوبي خوسيه مارتي الملقب بالمعلم لما له من مكانة عزيزة في قلوب الكوبيين الذين قدّروا الدور النضالي الذي قام به مارتي من أجل تحرير كوبا من الاحتلال الإسباني لبلادهم.

وُلد خوسيه مارتي في عام 1853, ومنذ كان صغيرا كان يحلم باستقلال كوبا عن إسبانيا, وحين بلغ السادسة عشرة من عمره أدخل السجن بسبب نشاطاته المعادية لسلطات الاحتلال. وفي العام نفسه كتب أول مسرحية شعرية له بعنوان (عبدالله), ليخلد من خلالها نضال شعبه ضد المستعمرين. حيث قدم كوبا في هذه المسرحية في صورة أرض عربية وأبطال هذا العمل من العرب أيضا.

عشق للعرب

ومنذ ذلك الوقت لم تخل أعمال مارتي, وفي كل جزء من الأجزاء الثمانية والعشرين التي تشكّل أعماله الكاملة من المواضيع المتعلقة بالعرب بالرغم من المراحل الشاقة التي مر بها خلال حياته, فمن مرحلة النضال المبكر والدراسة, إلى مرحلة التحضير لحرب الاستقلال مرورا بفترة إقامته الإجبارية في إسبانيا وتنقله بين المكسيك ودول أمريكا الوسطى وفنزويلا, وأخيرا فترة ممارسته للصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية ومقتله في التاسع عشر من مايو 1895 على أرض المعركة في كوبا.

يصف مارتي العرب قائلا: (تلك المخلوقات الرشيقة اللطيفة التي تشكل الشعب الأكثر نبلا وأناقة على سطح البسيطة) وذلك في معرض تعليقه على لوحة تحمل اسم (واقعة تطوان) رسمها الفنان الشهير ماريانو فورتوني, وقد نشر هذا التعليق في جريدة (ذي صن) الصادرة في نيويورك في مارس من عام 1881.

وتعرف مارتي خلال إقامته في إسبانيا على الكثير من الآثار العربية والإسلامية, فهو يعرف ويمتدح أقواس دمشق ومنسوجات وعطور وياسمين الجزيرة العربية وتماثيل الفراعنة القديمة في مصر, ويشير إلى أن الفن البيزنطي قد تعدّل بفضل التأثير العربي, وأن ثقافة هذا الشعب قد أسرت عقول القرّاء الأوربيين.

ويصف مارتي المشاعر التي يتسم بها الشعب العربي, لاسيما رقة القلب, ويسرد كيف أن أميرا, بعد انتصاره في المعركة وإذ شرع وجنوده بمغادرة أرضها رفض أن تفك خيمته لأن حمامتين أقامتا عشهما في سقف تلك الخيمة.

وفي خضم النضال الوطني الذي كان يقوده خوسيه مارتي كان يستعين أحيانا بالحكم العربية لتوبيخ المتخاذلين في خدمة الوطن, وفي أبريل عام 1894 - أي قبل عام من مصرعه - قال لبعضهم:

(ينبغي الاستفادة من العربي في أمرين على الأقل: صلواته اليومية حيث يدعو الله الهداية للسير على الصراط المستقيم, وذلك المثل القائل الكلاب تنبح والقافلة تسير).

حلم الحرية للجميع

إن تطلع الشاعر خوسيه مارتي إلى الحرية والاستقلال لم يكن حالة خاصة بوطنه كوبا, بل كان هو نفسه مرتبطا بكل الدول والشعوب التي تمر بظروف استعمارية شبيهة بما يحصل على أرض كوبا, وبسبب اطلاع مارتي على الكثير من الأعمال المتعلقة بالعرب وشغفه بمعرفة كل ما يحصل في البلدان العربية التي بدأ الاستعمار الأوربي آنذاك ينهش بعض أجزائها, تابع مارتي ما حصل في مصر وتونس والمغرب وعلق على كل واحدة منها بما يؤكد رفضه لكل أشكال الاستعمار والتدخل في قرارات الشعوب الحرة, فعندما اندلعت ثورة عنيفة ضد الخديوي في مصر عام 1881, وكادت أن تنجح لولا تدخل الإنجليز في العام التالي, عن تلك الثورة قال مارتي: (مصر تسعى لأن تكون سيدة نفسها).

وفي وقت متزامن مع ما يحدث في مصر قامت فرنسا باجتياح تونس تحت ذريعة استعادة الشرف الوطني الفرنسي أمام إهانة مزعومة لهذا الشرف في أفريقيا, ويعلق مارتي على ذلك: (لم يكن سوى ذريعة لتغطية طموحها في توسيع ممتلكاتها الاستعمارية في أفريقيا), وأمام هذه الذريعة الفرنسية يتساءل مارتي: (هل يهدف الـ28 ألف جندي الذين انطلقوا من ميناء طولون الفرنسي باتجاه أفريقيا, إلى إنقاذ شرف فرنسا أم الزج بفرنسا في حرب مميتة ضد الشعوب المصممة على التحرر).

قصيدة لمدينة (سبتة)

وأخيرا في المغرب حيث يوجد المستعمر الإسباني نفسه, الذي احتل الريف المغربي ومنطقة سبتة عام 1881 التي استخدمها الإسبان كمنفى للثوار الكوبيين. وفي عام 1883 قامت ثورة ضد المحتل الإسباني أيّدها مارتي بالكلمات التالية: (الشعب المقموع لا يتراجع أبدا, ولن يتراجع الشعب الذي احتُلت أرضه من قبل الأجنبي... لقد عاد الريف وأشعل الحرب ضد إسبانيا, وستعيش إسبانيا في الحرب ضد الريف, مادامت لم تجل قواتها عن هذه الأرض المقدسة).

وكادت قدما الشاعر خوسيه تطآن الأرض العربية لأول مرة في سجن سبتة عندما نُفي لإسبانيا إلا أن ذلك لم يحصل ولم يصل إلى ذلك السجن الأفريقي, وفي مسرحية (الوطن والحرية) قدم مارتي لسجن سبتة على لسان أحد أبطاله:

نعم سبتة دار الرهبة
حيث سلاسل الحديد في الحيطان معلقة
وحيث مئات الأسواط تهوي
والدم القاني يتدفق في الأوردة
وحيث اللسان يستبدل
بلسان المقارع الساطعة
ومع كل شمس أشاهد حيا يدفن,
ورعبا يحرك كل ذرة مني
وداراً, يشيب الأطفال بها,
وجراح الأجساد الواهية تتلف الروح
والبحر الأجش يصم الآذان بهديره
بالغيظ لا بالأمواج يطوّقها

 

 


 

إبراهيم المليفي

 




في ساحة الثورة الشهيرة في العاصمة هافانا وقد وضع تمثال أبيض لمارتي تعبيراً عن تقدير كوبا للتضحيات التي قدمها هذا الشاعر





خوسيه مارتي





تمثال لرأس خوسيه مارتي موجود في حديقة متحفه





منزل خوسيه مارتي بالقرب من هافانا





المنزل وقد تحول الى متحف خاص يضم مقتنياته