الإسلام حضارة

الإسلام حضارة

المدينة الإسلامية

أول مدينة ترد على الأذهان هي المدينة المنورة, إذ احتضنت نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام, ونشأ وترعرع في ربوعها, فكان يرعى الغنم في الوديان, وتلقى الوحي في غار حراء, وهو أحد الآثار الباقية حتى الآن, لتشهد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم تلقى فيه الوحي من جبريل عليه السلام, وعلّم الصحابة والتابعين تعاليم القرآن الكريم وإسلامنا الحنيف.

صفات المدن الإسلامية الأولى

لتكن بدايتنا بالتعرف على سمات الأحياء السكنية في هذه المدن, التي اتسمت بضيق شوارعها, وأسواقها المغطاة, والمساجد العتيقة التي تعج بالزخارف والحلي, مما يضيف إليها الجمال والعظمة.

ولكن المعماري الإسلامي لم يكن يهدف إلى إضفاء الجمال على البيت الذي يبنيه, أوالمسجد الذي يشيده فقط, وإنما كان يهدف كذلك إلى تشييد منشآت تتلاءم مع المناخ القاسي الذي يتسم بشدة القيظ والحرارة والجفاف, أوبشدة البرودة والأمطار الغزيرة, إذ إن معظم المدن التي بنيت قديما كانت تحف بها السهول والصحارى والوديان والجبال من جميع النواحي.

 

مكة المكرمة.. أم القرى

لعل من أهم المدن التي يجدر الإشارة إليها, وإلى معمارها ومناخها هي مكة المكرمة, وهي تقع في واد هائل, تحيط به التلال القاحلة الجرداء, والجبال المتشابكة, والأودية الجرانيتية, وكانت تتألف من عدة أحياء صغيرة وأزقة ضيقة, وأصبحت اليوم مدينة كبيرة ذات رونق وجمال, خاصة عندما تدخل إلى الحرم المكي, الذي يبلغ نصف قطره 87552 م من كل جهة من جهات مكة, ومركز هذه الدائرة الكعبة المشرفة. وقد ورد ذكرها في القرآن بأكثر من اسم, منها (أم القرى) التي جاء ذكرها في الآية السابعة من سورة الشورى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا .

القاهرة

أما القاهرة, فإنها تتميز بكونها أكبر المدن الإسلامية التي تعج بالآثار, وهي تتألف من أربع مدن قديمة, كانت كل واحدة منها عاصمة في حقبة من الزمان, وأقدم هذه المدن هي الفسطاط التي أنشأها عمروبن العاص عقب فتحه مصر سنة 20 للهجرة, وظلت مركز السيادة طوال عصر الخلفاء الراشدين, ثم تلتها مدينة العسكر والقطائع التي أنشأها الأمير أحمد بن طولون سنة 256 هـ, وظلت طوال عصر الطولونيين والإخشيديين. ولما غزا الفاطميون مصر, كان أول ما قام به جوهر الصقلي, قائد المعز لدين الله الفاطمي, أن أنشأ عاصمة جديدة سنة 35هـ, وسماها بالقاهرة المعزية, وهي المدينة التي لازالت تحتفظ بمعمارها ومساجدها ومآذنها وبيوتها وأزقتها الأثرية حتى الآن.

القيروان

مدينة تونسية, لها مكانة مهمة في التاريخ الإسلامي, لأنها كانت منذ البداية مدينة العلم والفقه والإشعاع الديني. ومنها انطلق الفتح الإسلامي إلى أوربا شرقا وغربا. فهي بذلك تحمل في كلّ شبر من أرضها عطر مجد شامخ, وإرثا عريقا يؤكده تاريخها الزاهر ومعالمها الباقية التي تمثل مراحل مهمة من التاريخ العربي الإسلامي. وبقيت القيروان حوالي أربعة قرون عاصمة الإسلام الأولى لإفريقيا والأندلس ومركزا حربيّا للجيوش الإسلامية ونقطة ارتكاز رئيسية لإشاعة اللغة العربية... اختارها للإقامة والزيارة عدد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلّم أمثال عبد الله بن عبّاس وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.

القدس

عند الحديث عن مدينة القدس الشريفة لا نغفل أبدا أنها أولى القبلتين, وثالث الحرمين الشريفين, بعد مكة والمدينة المنورة, وزهرة المدائن. فمدينة القدس تقع في وسط فلسطين تقريباً, وقد اتسعت في عهد إسماعيل عليه السلام, فبنى الدور, وشيد القصور, وأصبحت عاصمة للدولة, امتدت من الفرات إلى مصر, ويعتبر هيكل سليمان أكبر وأهم أثر تاريخي فيها, شيده الكنعانيون. وفي سنة 72 هـ بنى عبد الملك بن مروان قبة الصخرة والمسجد الأقصى, وقد أنزل الله قرآنا في هذه المدينة, وعن هذا المسجد, يقول سبحانه وتعالى في مطلع سورة الإسراء: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ, وفي هذه الآية الكريمة يروي الله عز وجل معجزة الإسراء والمعراج, وكيف جعل نبينا يركب البراق ويطير به إلى المسجد الأقصى ليصلي بجميع الأنبياء, ويشهد له بذلك أنه خاتم المرسلين.

ونحن إذ نتذكر مدينة القدس والمسجد الأقصى وفلسطين, نتذكر معها العدوان الإسرائيلي, ونكاد نرى بأعيننا ما يحيط بآثار هذه المدينة المقدسة من مخاطر, ونبكي على الأطفال والنساء الذين يستشهدون كل يوم, فلا نملك لهم إلا الدعاء بالنصرة على الأعداء.

 


 

هيثم خيري