قدوتي العلمية

قدوتي العلمية

ابن وحشية.. سر العمل الطويل

رسوم: ممدوح طلعت

(هذا الطفل... انه ساحر)

ذاع في المدينة الصغيرة خبر ذلك الصغير الذي لديه قوة سحرية غامضة يستطيع من خلالها أن يفعل أشياء غريبة.

إلا أن الصغير (أبو بكر) قال لأقرب أصدقائه:

- لا... أنا لست ساحرا... بل أنا عالم... ومهتم بالكيمياء.

ورغم محاولة الصغير أن يدافع عن نفسه, فإن الكثيرين من حوله لم يتراجعوا.

- أنت ساحر... أنت تضع الأشياء فوق بعضها, فتخرج أشياء مختلفة.

وجاهد (أبو بكر) أن يُقنع الآخرين, بأن علم الكيمياء, يعتمد على توليد أشياء جديدة عندما يقوم بخلط المحاليل, أو عندما يضيف مواد لها صفة التفاعل معا, فتخرج الأبخرة, وتتولد عناصر جديدة.

لذا أطلقوا عليه اسم (ابن وحشية) حيث صار من يريد أن يُثير الفزع لدى الأطفال يهددهم بأن يأتي لهم بابن وحشية.. الساحر الغامض.

وأحس الصغير بالألم, وقرر أن يثبت للجميع أن الكيمياء علم, وليست (سحرا) بالمرة, حدث ذلك في عام 812 ميلادي, كان (أبو بكر) في الثانية عشرة من العمر... وقرر أن يتفرغ للعلم وحده.

واكتشف أبو بكر بن علي المختار الذي ناداه الناس باسم (ابن وحشية) أن الكيمياء موجودة في كل مظاهر الحياة من حولنا.

فعندما يقوم الفلاح برش الأرض بالماء, بهدف الزراعة, فإن الماء يتفاعل مع مواد كثيرة في التربة, سرعان ما تذوب وتتحول إلى غذاء للنبات.

لذا, ظل يدرس علم الفلاحة حتى تفوق فيه. وتتبع ما يحدث منذ زراعة النبات كبذرة في الأرض, إلى أن يتم استخراج البذور من ثماره, واكتشف أن عملية الزراعة كلها ليست سوى كيمياء متواصلة.

فالعصارة التي تنتقل في سيقان النباتات هي تفاعلات كيميائية... والسوائل الموجودة في أغلب الثمار هي نتائج كيميائية, مثل العصارة في الطماطم, والبطيخ. والشمام, والزيتون الذي يستخرج منه الزيت المفيد.

وعندما تتبع حياة النحل, اكتشف أن ما يقوم به النحل من إنتاج عسل فيه غذاء صحي للناس هو في المقام الأول كيمياء.

وقرر أن يكتب كتابا عن الكيمياء, وأن يداعب الناس فيما يكتب, فجاء العنوان (كتاب السحر الكبير).

وأقبل الناس على متابعة ما جاء في هذا الكتاب غريب الاسم, وسرعان ما وصلت الرسالة, فليس في الكتاب أي سحر خارق, مثلما توقع الجميع, ليست هناك إشارة إلى تحويل جبل إلى غاز يرتفع نحو السحاب, ولكن هناك عمليات وتفاعلات غامضة تسمى بعلم الكيمياء.

واكتشف الناس أنهم عندما يتناولون بعض المشروبات السامة, فإنها تتفاعل مع المعدة, وتؤلمها فلا تتحمل المعدة هذه السموم, فيموت الإنسان لو لم يتم إسعافه.

وعرفوا أن ما يحدث للسموم في المعدة هو من الكيمياء.

واستراح قراء الكتاب عندما قرأوا في الكتاب الأوصاف العديدة لمعالجة السموم, واكتشفوا أيضا أن معالجة السموم هي من الكيمياء.

وكان أغرب ما كتبه (ابن وحشية) في كتابه هذا انه قال: (لا تخشوا من تناول سم الثعابين عن طريق الفم).

وقال البعض وهو يقرأ الكتاب: هذا إما ساحر أو شرير, أو مجنون.. يطلب منا أن نتناول سموم الثعابين عن طريق الفم.

لكن سرعان ما جاءت الإجابة, فقد فسر (ابن وحشية) الأمر بالعلم, حيث قال إن سم الثعبان يتكون من مواد غامضة, لو دخلت إلى الجسم واختلطت بالدم, فإن الدم لايستطيع أن يتحملها, لأنها أقوى منه, ولو دخلت عن طريق الفم, فإن أغشية الجسم يمكن أن تتحملها.

لم يكن هناك تفسير حقيقي لما شرحه العالم العربي (ابن وحشية) في كتابه.

وبعد قرون, فسر العلم الحديث ما جاء في الكتاب ان سم الثعبان به كمية كبيرة من البروتينات المفيدة للإنسان, لذا فإن تناول هذا السم بالفم, يعتبر نوعا من الغذاء, لكن الدم لا يحتمل كل هذه البروتينات الشديدة المفعول.

وعكف العالم (ابن وحشية) على تأليف المزيد من الكتب بهدف إفادة الناس.

راح يترجم الكتب من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية, وألف كتابا عن فائدة المياه, وكيفية استخراجها من الأرض, والاستفادة منها.

وذاعت كتبه وسط الناس.

كتاب عن أسرار الكواكب التي نراها في السماء.

وكتاب عن (الفلاحة).

وكتاب عن الحياة والموت في علاج الأمراض.

ووثق الناس فيما كتبه (ابن وحشية), فهو رجل كثير الأسفار, التقى بالكثير من الأجناس والبشر, واشترى الكتب العلمية من كل الأقطار, فقرأها واستوعبها وأخرج منها ما يفيد الناس.

وكان أول شخص استفاد من علمه هو (ابن وحشية) نفسه, حين راح يطبق ما قرأه, وما تحصل عليه, على نفسه, فكان يتناول الغذاء الصحي المفيد ولم يتوقف يوما عن تناول عسل النحل. لذا طال به العمر, وشاهد أحفاد أبنائه, ورحل في عام 909 ميلادي عن عمر يناهز مائة وتسعة أعوام, تاركا وراءه ما لا يقل عن مائة كتاب مفيد.

 


 

محمود قاسم