الإسلام حضارة

الإسلام حضارة

وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أفلا يُؤْمِنُونَ

سئل النبي عن أفضل الأعمال, فأجاب: خير ما تفعله أن تقدم الماء لمن يسأل عنه. وهذه النصيحة جعلت صحابة الرسول ومن جاء بعدهم من التابعين يهتمون بسقاية الناس, للتقرب إلى الله تعالى ودخول الجنة. وقد أنشئ لهذا الغرض (السبيل) الذي عرف في العالم الإسلامي بشكل واسع النطاق.

ما هو السبيل?

السبيل هو بناء في العمارة الإسلامية يعد ليوضع به الماء المسيل, ليشربه المارة والعابرون للطريق. وتعود فكرة إنشاء الأسبلة إلى حرص المسلمين على إقامة مبان تقربا لله عز و جل, فقد بنوا المساجد وأقاموا المستشفيات,وشيدوا المدارس. لذا امتدت أعمال الخير الإسلامية إلى إنشاء الأسبلة.

وقد شهد العصر العثماني بناء العديد من الأسبلة, بل إنها انتشرت فيه بشكل غير مسبوق, سواء كان ذلك في مقر الخلافة أو في الولايات التي كانت تتبع لها, وكان ازدهارها في القرن السابع عشر الميلادي, حتى وصل عددها في القرن الثامن عشر إلى 1039 سبيلا .

ويتكون السبيل في أغلب الأحوال من طابقين : الأول يطلق عليه الصهريج, ويكون في باطن الأرض لتخزين المياه, وتبنى في الصهاريج طبقة تعزل الرطوبة. أما الطابق الثاني فهو حجرة التسبيل وملحقاتها. وكانت الأسبلة تقام على هيئة مبان غاية في الجمال فكانت تعلوها قبة مليئة بالنقوش, وفي مصر كان يعلوها كُتاب (مدرسة لتعليم القرآن) أو خانقاه ( وهو مكان عبادة الصوفية).

وترفع المياه من الصهاريج بباطن الأرض عن طريق أنابيب لا نراها, وتمر على أحواض رخامية إلى أن تصل إلى حجرة التسبيل, ثم يضاف إليها ماء الورد لتكون جاهزة للشرب. وتغطى أرضية السبيل بالرخام الملون بأشكال هندسية مختلفة, وتكسى حوائطه بالرخام الملون أيضا, أما السقف الخشبي فيكون مزخرفا ملونا مذهبا. ويوجد أمام شباك السبيل من الخارج لوح من الجص الجيري أو من الرخام يحمل أكواب الماء النحاسية التي تربط بسلاسل في نوافذ السبيل. وكان يقوم على الخدمة فيه رجل أو رجلان منذ طلوع الشمس و حتى غروبها. أما في شهر رمضان المبارك فمن بعد غروب الشمس إلى وقت السحور.

ومنذ إنشاء الأسبلة وهي لم تخل من الآيات القرآنية أو المأثورات أو غير ذلك من الكلمات التي كان يحرص أصحاب الأسبلة على كتابتها على الواجهة مثل: أيها الوارد إلى هذا السبيل أشرب ماء زلالا به يشفى العليلا . أو : سبيل الله يا عطشان, الله يرحم الواقفة . .

المياه والسقاؤون

ولم يقتصر أمر سقي المياه على مكان الشرب وهو السبيل, بل كان يقوم على سقاية الناس رجال وهبوا أنفسهم لهذا الأمر , فكان السقا يرتدي صندلا وجلبابا نظيفا وعمة خضراء. وفي يده قربة من جلد الماعز مملوءة بالمياه الطهور وبماء الورد, وغالبا ما كنا نجده يقف أمام المساجد ويسقي الناس لمن يعطي له المال ومن لا يعطي. أما الآن فقليلا ما نجدهم في أماكن العبادة أو الأماكن التي كانوا يتواجدون فيها.

 

المياه و الطهارة

نحن لا نقوم للصلاة إلا إذا كنا على طهارة, و قد أمرنا الله عز و جل بالوضوء عند كل صلاة. وكان رسول الله [ على طهارة أبدا لأنه كان مع ربه دائما. وقد فصل الله أمر الوضوء لأنه أراد أن يضيف إلى طهارة النفس قبل الصلاة طهارة البدن , إذ يقول سبحانه وتعالى في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلََكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ. كما نرى في آيات الكتاب مدى حب الله تعالى للمتطهرين, الذين يتوضأون عند كل صلاة, والذين يهتمون بنظافة البدن والبيت والمكان الذي يقيمون فيه , إذ يقول جل وعلا : فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ. ونقرأ في سورة الأعراف من القرآن الكريم رحلة الماء العلمية: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

وقد كان النبي [ يحرص عند الوضوء على قول: اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي وأقنعني بما رزقتني ولا تفتني بما زويت عني.

أما أماكن الوضوء في المساجد القديمة فكانت توضع في قلب صحــن المسجد , فمثلا عندما تدلـف إلى جامع عمرو بن العاص في مصر ستجد في صحنه صنابير وضعت في شكل مستدير , وبأعلاها قبة رخامية لوقاية المصلين من حرارة الشمس .. وهذا ما كان عليه الحال في معظم المساجد التي بنيت في العصور الأولى, ثم تم إلحاقها بالقرب من دورات المياه.

 


 

هيثم خيري