بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

لغز تناقص أعداد قبيلة الفهد الصياد

تحت سماء البراري الناميبية الصافية في الليل جلست الطبيبة البيطرية الأمريكية ( لوريا باركر)تفكر بحزن ويأس في احتمال أن تضيع كل الجهود التي بُذلت في مشروع حماية الفهد الصياد في الجنوب الافريقي , الذي تشرف عليه بمنحة من الصندوق العالمي للحفاظ على الحياة البرية.

كانت النجوم تلمع بجمال على خلفية السماء البنفسجية الناعمة كالمخمل , وأخذت الدكتورة تفكر في السبب الذي يجعل أعداد الفهود مستمراً في التناقص . استعادت الدكتورة قصة المشروع من البداية, منذ كانت تعمل في حديقة حيوان (الحياة البرية) بولاية أوريجون في بلدها, وكانت تعشق صغار الفهد الصياد الموجودة تحت رعايتها بالحديقة , تعشق منظر أجسامها الدقيقة الرشيقة, وحركتها المرنة, ونظرات عيونها اليقظة التي تتألق بلون الكهرمان النقي. ولأنها كانت تتابع أخبار الفهود في كل انحاء العالم, فقد لفت انتباهها خبر يقول بأن الفهود الصيادة توشك على الانقـراض في الجنوب الأفريقي, ففي سنوات قليلة تناقص عددها في بلد واحد - هو ناميبيا - من عشرة آلاف, إلى ثلاثة آلاف فقط, ولايزال العدد آخذا في التناقص . أحست الدكتورة لوريا يومها بالذعر لفكرة أن تختفي هذه الحيوانات اليقظة الرشيقة من الوجود وأرسلت في اليوم نفسه رسالة إلى هيئة الصندوق العالمي للحفاظ على الحياة البرية, تعرض تطوعها في أي مشروع يهدف إلى حماية الفهد الصياد من الانقراض, وأرفقت برسالتها شهادات تخصصها في الطب البيطري وخبرتها برعاية الفهـود وأبحاثها العلمية عنها . وسرعـان ما جاء الرد, يخبرها باختيارها مشرفة على مشروع لحماية الفهد الصياد من الانقراض في البراري الافريقية. سـافرت على الفور إلى ناميبيا, وكونت فريقاً من أبناء البلد ذوي الخبرة بالحياة البرية, وبدأت تراقب حياة الفهود وما طرأ عليها من تغيرات قد تكون سببا في التناقص السريع لأعدادها. واكتشفت أن السبب الأول يكمن في أن المزارعين وسعوا مساحات قراهم باقتطاع أجزاء كبيرة من البراري التي تعيش فيها الفهـود الصيادة, ولما كانت الفهـود لا تدرك معنى ذلك فإنها واصلت تنقلها في الأرض التي اعتادت عليها , وراح المزارعون يطلقون عليها النار بدافع الخوف.

اكتشفت الدكتورة (لوريا) هذا, فشرعت هي وفريقها في توعية المزارعين بأساليب أخرى, مثل وضع فزاعات مضيئة في الليل عند أطراف القرى, أو استخدام الأصوات وقرع الأواني لإبعاد هذه الفهود. نجحت التوعية, ولم يعد المزارعون يطلقون النار على الفهود, لكن أعدادها لم تكف عن التناقص وإن بمعدل أقل من ذي قبل ! صار ذلك لغزا محيراً شغل بال الدكتورة ( باركر). وبينما هي جالسة تتذكر تحت ضوء النجوم الأوضاع الصحية لآخر الفهود التى فحصتها, شعرت الدكتورة باركر بالانتعاش فجأة, ولمعت في رأسها فكرة جعلتها تهتف بفرح :

(وجـدتـها).

نعم وجدتها, وجدت العلة التى تسبب تناقص أعداد الفهود, فقد ضاقت على هذه الفهود الأرض بعد أن زحفت القرى على البراري. ولأن الفهود مخلوقة لتجري, وهي أسرع حيوان على وجه الأرض إذ تبلغ سرعتها أكثر من مائة كيلومتر في الساعة, فإنها لم تعد تركض لتبلغ هذه السرعة التي تتطلب مساحة واسعة من الأرض. ولأنها لم تعد تركض , تناقص صيدها الذي تصل إليه بفضل سرعتها الكبيرة, وقل طعامها , فضعفت, وتيبست مفاصلها, ووهنت قلوبها, وصارت تمرض ولا تلد فهوداً جديدة, بينما الفهود الشـابة تموت مبكراً قبل أوانها .

وصلت الدكتورة (لورا) لهذه النتيجة فكتبت للصندوق الدولى لحماية الحياة البرية, وأمدها بمزيد من النقود لتشتري بها أرضاً من القرويين تضمها إلى محمية للفهود! اتسعت الأرض لحركة الفهود التي عادت لركضها السريع, وللصيد الناجح الذي يمنحها ما يكفي من طعام, تحسنت صحة إناث الفهود, وعادت تنجب فهودا صغيرة جميلة.

والآن عندما تجلس الدكتورة لوريا تحت سماء ليل إفريقيا الصافي, تراقب بطمأنينة بريق النجوم , ويبهجها وميض عيون الفهود الصيادة في ليل البراري, تشعر بالارتياح.

 


 

محمد المخزنجي