جدو عبدو والكمبيوتر

جدو عبدو والكمبيوتر

رسوم: عادل البطراوي

يوسف الصغير, يطيب له أن يجلس مع جدّه, وإلى الكمبيوتر معا, لأنه يرى أن الجمع بينهما يثمر شيئا طريفا.

الجد ينتمي للماضي والتاريخ, والكمبيوتر يركز على الحاضر والمستقبل, ومن هنا تنشأ بين الطرفين خلافات, ونزاعات, ومشكلات, تجعل الصغير باسما ضاحكا.

ويشاركه الجد ذلك أحيانا, ولكنه بين وقت وآخر يفقد هدوءه ورزانته, وينهال على الكمبيوتر و(الأجيال) الجديدة سبًا وشتما, دون أن ينطق بكلمة نابية واحدة, إذ يختار عباراته في ذوق وأدب.

وعندما بدأ يوسف يداعب أزرار الكمبيوتر, قال الجد:

- لقد جئت لزيارتك, والاطمئان عليك, والتحدث معك, هل تجلس إليّ, أم إلى هذا الـ...

قاطعه يوسف: أرجوك ياجدو, ألا تذكر الكمبيوتر بسوء!

أنت مؤمن يا جدو, وتعلم يقينا أن الله وحده هو العالم بكل شيء, أما هذا الجهاز فهو (جماد)!

- شكرا, هأنت قلتها: إنه جماد لا ينطق, وبالتالي فليست لديه أسئلة يوجهها إليّ.. وكأنه مدرس يمتحنني في دروسي, أو أب يريد أن يربي ابنه بالعصا والجزرة..!

- ماذا يعني هذا التعبير الغريب?!

- اسأل الكمبيوتر..

- أرحني بالإجابة يا جدو من فضلك.

- كانوا يعلقون جزرة أمام عيني الحمار يغرونه بها لكي يسرع ليطولها, وإذا تباطأ ضربوه بالعصا.

- الكمبيوتر يريد يا جدو أن يعدّ شعر رأسك!

صرخ الجد فجأة, وانهال على الكمبيوتر بكلمات قاسية, هاتفًا: ألم أقل لك إنه (قليل الحياء), هو يريد أن يذكرنا بما حدث مع (جحا), حين سئل عن عدد شعر حماره فقال:

- إنه مثل عد النجوم وإذا لم تصدقوني, عدوا هذا وذاك.

ضحك يوسف وقال:

- هل تظن يا جدو أن الكمبيوتر يعرف كل فكاهات جحا?

وتنبه الجد أن ثورته لم يكن لها مبرر, لذلك هدأ بسرعة, وهز رأسه كأنما يعاتب نفسه, وانتهز يوسف الفرصة ليلقي بسؤال جديد.

- ماذا ترى يا جدو في شعرك?

رد الجد بسرعة: أعجبني رد (برنارد شو) على هذا السؤال, وكان الرجل أصلع الرأس, كث اللحية (أي أن شعرها كثيف), لذلك أجاب:

- شعر رأسي, ولحيتي يؤكدان أن هناك غزارة في الإنتاج وسوءا في التوزيع.

ضحك يوسف, فقد فهم ما قاله (شو), أن عنده شعرا غزيرًا, لكنه اختفى من على رأسه, وطال على صدره.. بعكس ما كان يريد.

- هل كان شعر رأسك (يقف) وأنت طفل, كما يقولون?

- طبعا, عندما يحكون لي عن العفاريت, مثل (كلب القيلولة) الذي له أربعون رأسا, وأربعون رجلا, وحين يجلس يضع عشرين رجلا على العشرين الأخرى.

ويقهقه يوسف لأنه تخيل هذا العفريت الظريف, وسأل:

- ومتى ظهرت يا جدو أول شعرة بيضاء في رأسك?

- لحظة لا أنساها, لقد ارتعدت لدى رؤيتها.

- ألم تفرح لأنها دليل على النضج?

- لا لا.. فزعت, إذ تصورت أني أزحف إلى (الشيخوخة).. خاصة وفي جيلي كانوا يقولون عن المجنون أنه قد (طلعت له شعرة في دماغه)..!

- لم يقولوا شعرة بيضاء.

- الغريب أن الناس تستبشر باللون الأبيض, اللهم إلا عند ظهور الشعرة البيضاء, يرتعدون لها!

قال يوسف: وماذا عن يدك?

ابتسم الجد, ورفع يده, وتطلع إلى أصابعه في احترام وتبجيل, وقال:

- يدي سوّت ونحتت فنا علقوه على جدران المعارض, وأبدعت مثلما فعل (دافنشي) و(مايكل أنجلو) و(رودان) و(جواد سليم),و(جمال السجيني), وهذا الرعيل العظيم.

- البعض يراهم صنعوا ما فعل الجاهليون, عندما أقاموا (هبل)?

- لا لا.. أنت (هبل) بما تقوله..

ضحك يوسف, لخفة ظل جده, ومداعباته له, وسأل جده في هدوء:

- مازلت تحب لوحة (الجرونيكا)?

- نعم.. من أبدع ما قدم (بيكاسو) من فن.

وسادت لحظة صمت, لم تطل.

ودق يوسف على أزرار الكمبيوتر, وظهرت كلمة (عصبي) على الشاشة, ولمحها الجد, فثار من جديد.

- ماذا يقصد هذا الـ..

- إنها محاولة من الكمبيوتر لتحليل بعض الجوانب في شخصيتك, بعد ما دار بيننا من حوار.

ارتفع صوت الجد يهتف:

- لا.. لا.. هذا (الجماد) يحلل شخصيتي أنا?!

.. هذا الشيء يعطي لنفسه الحق في الجلوس إلى مقعد الأستاذية في علم النفس, ويفتي ويقول إني (عصبي)..?!

سأريه كيف تكون العصبية!

- ماذا ستفعل به ومعه?

- لا أقل من (تحطيمه)..!!

صرخ يوسف:ماذا?! نحطم أعظم إنجازات الإنسان منذ وجد على ظهر هذا الكوكب?

كان الجد قد همّ بالوقوف, وتراجع إلى مكانه, ويوسف يتحدث ويخفي الصفحة التي ظهرت على الشاشة, لتحل مكانها عبارة: (خفيف الظل)..

ابتسم يوسف ابتسامة عريضة, وانفرج وجه الجد قليلا, وتتابعت كلمات تظهر على الشاشة, وتختفي..

(فنان أصيل) (محب للشعر) (واسع المعرفة)

وعندما ظهرت ظلال ابتسامة على وجه الجد, وشعر بشيء من الارتياح فجأة عبس من جديد, عندما ظهرت كلمات تقول:

(لا يتقبل الرأي الآخر) (لا يؤمن بالتكنولوجيا) (لا يواكب العصر)

هتف الجد: أعرف أن هذا الكمبيوتر سيئ الخلق, قليل الحياء, لم يحسن الإنسان تربيته بعد ما صنع, وسوف أواجهه أنا أيضا بتحليل شخصيته.. إنه: (يتطاول على البشر الذين صنعوه) (يدعي العلم والمعرفة مع أنه مجرد مخزن) (هو يعيش بعقلية الجاهلية الأولى)

قال يوسف معتذرا:

- إنني آسف يا جدو, فما كنت أريد للأمور أن تتطور إلى هذا الحد, وليست لديّ أي رغبة في أن تتسع هوة الخلاف بينك وبين الكمبيوتر إلى هذا المدى.

هز الجد رأسه,وهمس في عمق:

- لقد أصبحت بيننا هوة تفصلنا بقدر ما بيننا من سنين.. كم عمر هذا الـ..

ضحك يوسف, وسأل:

- أما زال هذا الـ..

- أحيانا أجد نفسي غير راغب حتى في نطق اسمه, كما أنني لا أريد أن أسبه وأشتمه, لأنني على يقين من أنه لا يأتي بشيء من عنده..!

سأل يوسف في قلق:

- أي أنك يا جدو تحمّل البرنامج وصاحبه كل المسئولية?!

- بالطبع..

- إذن العتاب واللوم موجهان لي?

- بالتأكيد.. واضح أنك تضع برامج من عينة أسلحة الدمار الشامل!

ضحك يوسف, وواصل الجد:

- إذا لم تكف عن ذلك سوف أرفع الأمر إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة بل وأيضا إلى جامعة الدول العربية..!

هل من الممكن أن نجلس معًا, وحدنا, دون أن يكون هذا الـ.. هذا الشيطان ثالثنا..?!

وقهقه يوسف, وهو يضع الغطاء فوق الكمبيوتر, ويقول:

- ها قد وضعنا له النقاب!

وشاركه جدو عبدو القهقهة, وردد أغنية كتبها شاعر الأطفال (محمد الهراوي).

الأطفال: يا عم جحا.. يا شمس الضحى

غني واطرب.. واضحك والعب

جحا: اسمعوا: كنت في (قها)

الأطفال: ماذا كنت تصنع?

جحا: هكذا, هها.

الأطفال: قولوا مثله.. واضحكوا له.

جحا والأطفال: ها ها ها ها ها ها.

 


 

عبد التواب يوسف