الصقور الذهبية

الصقور الذهبية

من الصحراء العربية إلى الغابات الأوربية

يعد الصقر الذهبي من أضخم الطيور. فهو, حين يفرد جناحيه نجد عرضهما أكثر من مترين! كما أن وزنه يصل إلى ستة كيلو جرامات مما يجعل منه طائرا مهيبا. ورغم وجود الصقر الذهبي في منطقة الربع الخالي الصحراوية التي تمثل جزء كبيراً من شبه الجزيرة العربية, حيث يحلق فوق الرمال والسهول المغطاة بالحصى, إلا أنه ليس طائراً صحراوياً. فالصقر الذهبي أو كما يسميه البعض (العقاب الذهبي) يحمله جناحاه الكبيران إلى أعلى الجبال الصخرية في كل مكان بالعالم. فهو قد يعيش في جبال الهمالايا بقارة آسيا أو يُشاهد عند جبال روكي في الولايات المتحدة الأمريكية, وصولاً إلى المرتفعات الاسكتلندية في قارة أوروبا. حتى أن هذا الصقر الطائر أصبح الأكثر انتشاراً في العالم بأسره, من منطقة سيبيريا (شمال القارة الأسيوية) حتى شمال أفريقيا بأشكاله وأحجامه التي تختلف بشكل بسيط كلما اختلفت تشكيلته. ويعرف العقاب الذهبي علمياً باسم: Aquila Chrysaetos

وقد شوهدت أعشاش الصقور الذهبية لأول مرة في المملكة العربية السعودية بمدينة جدة قبل حوالي 40 عاما. ثم شوهدت صغارها في مناطق كثيرة بعد ذلك بمناطق عدة في دول الخليج العربي ومنها سلطنة عُمان حيث اكتشفت أعشاشها في يناير 1981 م. ويبلغ عرض عش الصقور الذهبية مترا واحدا, ويتم إخفاء الأعشاش بمهارة في قلب إحدى الأشجار, وتعود الصقور الذهبية البالغة (الكبيرة سنا) لتعيش وتضع بيضها في نفس العش عاما بعد آخر.

في البلدان ذات الطقس الشمالي البارد حيث تتكاثر هذه العقبان, تتزاوج الصقور في بداية كل عام جديد. أما في الصحراء العربية فإنها تتزاوج في أكتوبر, وتضع البيض وتحتضنه في نوفمبر, ويتناوب الأبوان احتضان البيض, حتى تبدأ الصقور الصغيرة في الخروج أوائل يناير. ويزين الأبوان العش ببقايا خرق بالية (قماش ممزق قديم), وأوراق, ونباتات طازجة, وعادة ما يكون عدد البيض اثنتين, وأحيانا ثلاثا, ولكن غالبا ما يعيش طائر واحد فقط منها, حيث تقوم الطيور التي تخرج مبكرا بقتل الفراخ التي تتلوها بثلاثة أو أربعة أيام, بل ربما تقذف بها خارج العش. ولكن حالما ينبت ريشها, وتحصل على كفايتها من الطعام, تبدو سعيدة بمشاركتها الحياة. ويبلغ وزن ريش الصقر الذهبي نحو خُمس وزن الجسم بالكامل.

في صغرها تقوم الصقور بالتقاط الطعام من الأبوين, اللذين يقدمان شرائح اللحم من فميهما بعد مضغها. وأحب ما تلتهمه الصقور العربية هو أرنب الصحراء البري وهو من أكثر الثدييات الصحراوية شيوعا, رغم أنه نادرا ما يُرى لأن فروته الرملية اللون الشاحبة تجعل من الصعب رؤيته. كما تأكل الصقور الذهبية كذلك العظايا (السحالي) والقنافذ وسلالات الطير الأصغر منها, وحتى الجيف (الحيوانات الميتة) حينما لا يتوافر الطعام الطازج. والمخالب القوية للصقر تمثل أدوات طعام, فهي مثل السكين والملعقة والشوكة. وبعد تناول الطعام يستقر الصقر الذهبي بالعش وقتا كافيا, ومثل الطيور الجارحة القناصة الأخرى, نجد الصقر الذهبي يقذف بما لم يستطع هضمه (من عظام وفراء), الأمر الذي يجعل من الممكن تحليلها, لاكتشاف المزيد عن وجبات الطيور ومعظم ما جمعت من هذه البقايا تبدو مخلفات الأرانب البرية.

بعدما تفقد فراخ الصقور زغبها الأبيض (الريش الناعم), وينمو ريشها غامق اللون في شهر مارس, تكون جاهزة للطيران. وتعلم مهارات التحليق والقنص هي مهمة الصغار وحدها! وتمسك مخالب الصقور القوية بفروع الأشجار كما تمسك بالفرائس من الأرانب البرية بقوة شديدة يصعب معها الهروب. وفي وقت ما من شهر مايو, وحينما تشتد الحرارة بدرجة لا تحتمل في الصحراء العربية تغادر الصقور أعشاشها إلى شمال الكرة الأرضية, حيث تعيش في غابات السويد وفنلندا وباقي دول شمال أوربا الباردة ضمن رحلات هجرة الطيور(قد تصل درجة الحرارة هناك إلى 15 درجة تحت الصفر). قبل أن تعود في شهر أكتوبر إلى العش ذاته لتبدأ دورة الحياة مرة أخرى.

 


 

سها سعيد