بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

مسألة: ديك واحد أَم ثلاث دجاجات?

صارت الحياة شديدة القسوة على الناس في جنوب غرب أثيوبيا. فبعد أن أجبرت الحرب الأهلية آلافًا من قبيلة (النوير) على ترك قراهم والبحث عن مكان آمن بعيدًا عن موطنهم, أقفرت الأرض لانقطاع الأمطار, واشتد جوع الناس وعطشهم. جاءت المساعدات من أنحاء العالم المختلفة وكانت مساعدات (الصندوق الكويتي للتنمية) هي الأهم لمئات الآلاف من المهجّرين أبناء قبيلة (النوير). فهي لم تكتف بتقديم مواد الإغاثة العاجلة من أطعمة وأدوية فقط, بل أنشأت مشاريع يستطيع بها المهاجرون (تنمية مجتمعهم) اعتمادًا على جهودهم الذاتية لإعانة أنفسهم. حُفرت الآبار ورُكبت عليها مضخات رفع المياه للقضاء على العطش, ووزعت البذور والأدوات ليزرع القرويون قطعًا صغيرة من الأرض حول أكواخهم تمدهم بالخضراوات التي تقيهم الإصابة بأمراض نقص الفيتامينات. كما قدم (الصندوق الكويتي للتنمية) دعمًا ماليًا لكل من ينشئ مشروعًا صغيرًا يعود بالخير على الناس في محنهم. من هذه المشاريع أقام صبي نشيط اسمه (مامادو) مزرعة صغيرة للدواجن. كان يمتلك دجاجتين أخذ من معونة الصندوق الكويتي مبلغًا صغيرًا اشترى به خمس دجاجات أخرى, وهكذا صار لديه سبع دجاجات. لكنه لم يكن يمتلك ديكًا, ولابد من وجود ديك ليكون بيض الدجاجات مخصبًا ويعطى كتاكيت تكبر فتصير فراريج ثم دجاجات وديوك, يتضاعف عدد الدجاج في المزرعة ويزيد محصول البيض, ليتغذى منه الناس.

لم يجد (مامادو) في المنطقة كلها غير ديك واحد يمتلكه الأخوان (سامبا) و(ديبا) عرض عليهما أن يبادلهما الديك بدجاجة, فرفضا...بدجاجتين, فرفضا. قالا إنهما يربيان الديك ليدخلا به مباريات (مصارعة الديكة) ويفوزا بجائزة. وقال لهما (مامادو) إن (مصارعة الديكة) غير موجودة في المنطقة, كما أنه لا يوجد ديك آخر ليصارعه ديكهما, وحتى لو كانت هناك (مصارعة ديكة) فهي لعبة شريرة تجعل الديوك تنزف دمًا وربما تموت أيضًا, ولا توجد قائدة حقيقية لها. ورفع (مامادو) عرضه لمبادلة الديك إلى ثلاث دجاجات, وترك الأخوين ليفكرا بعمق قبل أن يقولا: (لا), أو(نعم).

عرض الشقيقان موضوع مبادلة الديك على أمهما, وكان رأيها أن يقبلا بالمبادلة, لأن الدجاجات ستبيض حتى دون ديك, وسيأكلا من هذا البيض ليشبعا ويقويا جسميهما. كما عرضا الموضوع على جدهما, وكان عجوزًا طاعنًا في السن, لكنه ذكي ولديه مئات الحكايات الشائقة وعشرات الأغاني القديمة الظريفة, كما أنه يجيد صنع السلال المتينة البديعة من القش. قال الجد رأيه, فلم يناما جيدًا طوال الليل, لكن يبدو أن رأى الجد أقنعهما, فذهبا بهذا الرأي في الصباح الباكر ليعرضاه على (مامادو) صاحب الدجاجات, ولقد وافق (مامادو) بعد تفكير عميق على عرضهما.

وإذا أردت أن تعرف هذا العرض فاقلب الصفحة, ولكن بعد تفكير, ولو قليل:

لقد أشار الجد على حفيديه (سامبا وديبا) ألا يبيعا ديكهما (لمامادو) بأي عدد من الدجاجات, بل يدخلا بديكهما شركاء في المزرعة, يقدمان الديك مقابل نسبة - ولو صغيرة - من البيض الذي يفقس ويعطي كتاكيت, فإذا اختلفا مع (مامادو) يومًا يستعيدان ديكهما, وإذا لم يختلفا فهذا يعني أنهما سيجنيان بيضًا كثيرًا وكتاكيت. وقد يكون بين هذه الكتاكيت واحدًا يكبر ويصير قويًا وجميلاً مثل ديكهما - جده!.

 


 

محمد المخزنجي