مغامرة الدبين الصغيرين

مغامرة الدبين الصغيرين

رسوم: ماهر عبدالقادر

جلسَ الدبان الصغيران (دبدوب) و(دُبَيْب) في غرفةِ مكتبةِ العائلةِ العريقةِ التي تملأ الكتبُ جدرانَها من السقفِ إلى الأرض, وكانا منهمكين في مطالعةِ مجلدٍ كبيرِ الحجمِ. وبينما كان الشقيقُ الأكبرُ (دبدوب) يحركُ سبابَتَهُ تحتَ الأسطرِ ويحركُ شفتيهِ أيضًا, كاد (دُبَيْب) الأصغر سنًا, يلصقُ رأسَهُ بالكتابِ.

لم يكن (دُبَيْب) يجيدُ القراءةَ, لكنَّ شقيقَهُ كان يجيدها, بل كان (دُبَيْب) يعتقد أن شقيقَه يكاد يكون أكبرَ عالمٍ لغةٍ بين الدببةِ, ولا عجبَ, فجدُّهُ, الدبُّ الأكبرُ, كان كذلك. ويُعرف والدُه, أيضًا, بأسلوبه الراقي الجميل الذي يجعلُ منه المرجعَ الأول والأخيرَ بين أبناءِ قومِهِ, حيث يجيدُ كتابة أجملِ الخطبِ, ولكلِّ المناسباتِ.

التفتَ (دبدوب) إلى شقيقه وقد توقفتْ سبابتُه عن الحركةِ, وقال كمن يبوح بسرٍّ عظيمٍ:

- يقول كتاب جدي, يا (دُبَيْب), إن الحصولَ على السعادةِ هو الحلمُ الذي يجبُ أن يراودَ مخيلة كلِّ دبٍّ يحلمُ بالأفضل.

ردد (دُبَيْب) وهو لا يفهم مقولة شقيقه:

- السعادة?

قال (دبدوب):

- السعادة...نعم...أي أن تكون فرحًا, مبتهجًا, سعيدًا...

قال (دُبَيْب):

- طبعًا... أن تكون سعيدًا يعني أن تحصلَ على السعادة.

ربت (دبدوب) على كفِّ شقيقه:

- أحسنتَ.

قال (دُبَيْب):

- وأن يكون الحصول على السعادة هو الحلمُ الذي يجب أن يراود مخيلة كل دبٍّ يحلم بالأفضلِ يعني أنا يا (دبدوب).

تضايق (دبدوب) من استنتاج شقيقِه, فرفع ذقنَه بسبابتِهِ, وأدار وجهَهُ نحوه بقوة, ففتح (دُبَيْب) عينيه دهشًا وهو يركز نظراتِهِ على أخيه الذي قال بلهجة حازمة:

- يعني أنا ثم أنت...

أفلت (دُبَيْب) ذقنه, وشبك ذراعيه, وبرمَ شفتيهِ غير راضٍ كلَّ الرضا عما قاله أخوه, وسأله:

- لماذا أنتَ أولاً?

أشار (دبدوب) براحته اليمنى إلى المكتبة خلف ظهره, ثم ما لبث أن نظر إلى أخيه نظرةً فيها الكثير من التعالي:

- لأنني قرأتُ معظم هذه الكتب بحثًا عن الأفضل.

وقف (دُبَيْب) حردًا, وكاد يغادر غرفة المكتبة, لكنه عاد فالتفت إلى أخيه الذي زفر متأففًا وقال:

- عدتَ من جديد لتذكرني أنني أصغر منك, ولا أجيد القراءة كما تجيدها.

لحق (دبدوب) بشقيقه واضعًا ذراعه خلف كتفه, وقد أخفض صوته فصار أشبه بصوت أبيه الحنون:

- يجب ألا نضيعَ وقتنا في تبادلِ الاتهاماتِ, بل أن نبحث, يا دُبَيْب, عن طريق للوصول إلى السعادة.

واتجه به نحو النافذة المفتوحة المطلة على بستان أخضر وسماء زرقاء ومناظر خلابة, ثم أشار إلى كل هذا ونظرات (دُبَيْب) تتأمل حيث يشير:

- السماء, هناك, يا (دُبَيْب) أكثر زرقة, والنبات, هناك, يا (دُبَيْب), أكثر اخضرارًا, والماء هناك يا(دُبَيْب), أكثر عذوبة.

سأل (دُبَيْب) بلهفة:

- والسمك?

أجاب (دبدوب) على الفور:

- السمك يأتيك دون أن تصطاده, والعسل يأتيك دون أن يلسعَكَ النحل.

تنهد (دُبَيْب) وهو يحلم بكل هذه الأعطيات, وبدت في عينيه علامات رغبة قوية قرأها (دبدوب) على الفور, فسأله:

- هل تذهب معي?

انتفض لسؤالهِ, كأنه سمعه ولم يسمعه, وتساءل:

- هه?

ثم أجاب على الفور:

- طبعًا.

سار الدبان الصغيران عبر الغابةِ, وقد حمل (دبدوب) صرة طعام كبيرة سائرًا بجد نحو السعادة التي تناديه ويبحث عنها.

أما (دُبَيْب), فقد تباطأتْ خطواتُه مع مغيبِ الشمس, وكاد, لمرات متتالية, يتعثر ويقع, فيشد (دبدوب) من أزره, ويكرر جملته التي سمعها (دُبَيْب) أكثر من عشر مرات:

- قد نصل إليها قبل حلول الظلام يا (دُبَيْب).

ويكرر (دُبَيْب) جوابه ذاته:

- قدماي تؤلمانني.

لكن (دبدوب) فقَدَ, هذه المرة, صبرَهُ, والتفت إلى أخيه الذي تقوست قدماه وكان على وشك البكاء, فقطب مهددًا:

- سترتاح وقت تحصل على السعادة. فكر بهذا تنسَ تعبكَ كله.

قال (دُبَيْب):

- لا شيءَ ينسيني تعبي.

وما كاد يتفوهُ بالجملة الأخيرة, حتى سمعا صوت طلقات نارية اختبآ على أثرها خلف شجرة ضخمة يرتجفان خوفًا وقد وقعت صرةُ الطعام منهما وما عادا بقادرين على إحضارها.

همس (دُبَيْب) مذعورًا:

- ط...ط...لقات...

وضع (دبدوب) راحته على فم شقيقه هامسًا:

- هس...قد يكون هناك صياد ما.

طالت فترة صمتهما, وطالت معها فترة خوفهما, وما استطاعا أن يحركا أقدامَهما إلا وقتَ ابتعدتِ الطلقاتُ, فغادر (دبدوب) مكانَهُ, وأمسك (دُبَيْب) به خائفًا وهو مايزال ينظر حوله.

قال (دبدوب):

- ابتعدتِ الطلقاتُ يا(دُبَيْب)....لنكملْ طريقنا إلى السعادة.

سأل (دُبَيْب) أخاه:

- إلى السعادة? كيف أكون سعيدًا وأنا متعب وخائف وجائع? هه?

لكن (دبدوب) لم يرد على سؤال أخيه, بل تابع طريقه, وتابع (دُبَيْب) اعتراضاته:

- كما أن الظلام بدأ يخيم على الغابة, والبرد يلسع عظامي, سأبحث هنا.

توقف (دُبَيْب) عن إكمال طريقه, وراح يزيح حجرًا كبيرًا وهو يقول بصوت لاهث متعب:

- سأبحث هنا عن السعادة. قد تكون مخبأة تحت هذا الحجر.

ولما لم يجد شيئًا, التفت إلى شجرة عجوز وقال:

- أو فوق تلك الشجرة.

وراح يهز أغصانها بعنف, ثم بحث بين أوراقها, ولما لم يجد شيئًا, التفت إلى أخيه سائلاً:

- ما شكلها? هه? أخبرني? حمراء? كبيرة? مستطيلة? مستديرة?

ولما لم يجب (دبدوب) عن أسئلة أخيه, جلس أرضًا وراح ينتحب بصوت عال, فاقترب (دبدوب) منه وجلس بقربه قائلاً:

- أتعرف يا دُبَيْب? أسئلتك هذه جعلتني أفكر بالموضوع.

نظر (دُبَيْب) إلى أخيه من خلال دموعه التي مازالت تنهمر, فتابع:

- أعتقد أن السعادةَ ليست موجودة تحتَ الصخرةِ, ولا فوق الشجرةِ, ليست حمراء, وليس لها شكل هندسي, فالسعادةُ يا(دُبَيْب)....السعادةُ...

صمت (دبدوب) وأحنى رأسه وقد ضاعت منه الكلمات, ضاعت تمامًا.... أما (دُبَيْب), فقد مسحَ دموعه وراح يقول:

- كنت سعيدًا عندما كنت هناك...في بيتي, في وطني...كان لدي بيت, أهل, أصدقاء, مدفأة, مكتبة كبيرة تقرأ لي منها, عسل, وبحيرة مليئة بالسمك...

قال هذا ونهض ماسحًا ما بقي من دموعه بذراعه, واستدار ليعود من حيث أتى تاركا شقيقه ينظر إليه بصمت مطبق.

وقبل أن يغادر, قال:

- ابحث وحدك...أنا عائد.

لكنه لم يخط خطوات قليلة حتى جاءه صوت أخيه:

- انتظرني يا (دُبَيْب)....

ركض (دُبَيْب) وهو يكرر جملته بصوت أعلى:

- ابحثْ وحدك...ابحثْ وحدك...

لكن (دبدوب) كان يناديه لاهثًا راكضًا:

- انتظرني يا (دُبَيْب).

وما انتظر إلا وقت سمع أخاه يقول:

- لقد وجدتها...

فاستدار إليه باحثًا عنها عبثًا بين ذراعي أخيه, تحته, فوقه, حوله, لكن (دبدوب) سارع فاتحًا ذراعيه معانقًا أخاه باكيًا:

- وجدتها حيثُ قلتَ...لنعد معًا.

 


 

إيمان بقاعي