عودة الفرسـان

عودة الفرسـان

(حواريّة شعريّة في مشهدين ونغم)
إلى محمد الدرّة

رسوم: روني سعيد

المشهد الأوّل:

(في حي من أحياء رام الله القديمة, رجل فلسطيني مُسنّ يودّع عند الفجر ابنه الذاهب إلى القتال).

- 1 -

الشيخ:

سلبتني الضوءَ في عينيَّ أحزانُ الهزيمةْ
والضواري, يا بُنيّْ,
أَنْشَبَتْ في مُقلَتيَّ
كلَّ أظفار الجريمةْ
فأنا اليوم بعينيكَ أرى
وأُغَنّي بفمكْ
ودمي بعضُ دمِكْ
سالَ يمحو من عروقي
ليلَ مأساتي القديمة.

- 2 -

يا بُنيَّ انهد جنحي
هاتِ جنْحكْ
كل أحزاني (وإن طالًتْ)
على جفنيكَ تضحكْ
إنْ يسِلْ جرحُكَ ضمّدْ
بشغافِ القلب جرحَكْ
يا بُنَيّْ
أو عطشت اشربْ دمي
وإذا جعْتَ فَخُذْ زاد فمي
أنت لوَّنتَ شروقي
أنت نبضٌ في عروقي
وارتعاش الزهر في شوكِ طريقي

- 3 -

يا بنيَّ انتحر الليل على سيف النهارْ
ودمٌ رُشَّ بأهدابِ السماءْ
فاسبق الريح وكُنْ سكين نارْ
في قلوب سلبَتْ منكَ الضياءْ

- 4 -

لا تَقُلْ أين ستمضي قدماكْ
فعبير الأرض يهديكَ إليها
هي في شوقٍ إلى وَقْعِ خطاك
فاسبق الريح وكُنْ قلبي عليها

الفتى:

- 1 -

لم أعُدْ رقمًا ذليلاً في الخيامْ
يحملُ العارَ واثامَ السنينْ
يندبُ الحظّ ويستجدي اللئامْ
كسرة تملأ عين الجائعينْ
أنا أقوى من أعاصير الظلامْ
أنا أبقى من رياح الغاصبينْ
رقصوا فوق ارتعاشاتِ السلامْ
فنما الشوكُ بجفنِ الآثمينْ
رقصة الموت التي هاموا بها
أغرقت بالموت كلّ الراقصينْ.

نشيد:

(يُغْلَقُ الباب, ويُسمع على الطريق وقع خُطى حذرة, ترافقها جوقة تنشد أناشيد حزينة).

- 1 -

نشيد:

حِراب القدسِ تنكسرُ
ويُذبحُ فوقها القَمَرُ
وتُسمَلُ أعينٌ دُررُ
لأطفالكْ
ويوطأ صدرُ أبطالكْ
وأنت بأرضها حجرُ
فثُر في الأرض يا حَجَرُ

- 2 -

نشيد:

على حطّين فيضُ دمِ
تفجَّرَ نابضَ الألمِ
ومجدُ أبيك بالقدَمِ
يداسُ
وأنت كالصَنَمِ
وتوشك رعشة الندم.ِ
تفجّر فيكَ نهر دمِ
فتصرخُ في مدى الرِممِ
ألا ثوري
أو اضطرمي
ألا ثوري أو اضطرمي.
(يرتفع صوت الفتى بالنشيد وهو يلوّح ببندقيته)
هذه أرضي وقد فَجّرها
قَدَمُ الباغي شرايين لَهَبْ
مُهجتي القُربانُ في معبدها
ودمي زيتٌ وأشلائي حَطَبْ
فإذا متُُّ على مذبحها
فأنا للأرض نبضٌ وعصبْ

المشهد الثاني و الأخير:

عودة الفرسان

أحسُّ قبور موتانا
تعاندُ صولة الريح
وصوت اثنين في أحشائها
طفلين: مخنوقٍ ومذبوحِ
أرى الأكفانَ
تنبض تحتها الرممُ
ويكسر صمتَه الدهَريَّ
يكسر صمتَهُ العدم
ويطفر من جيوب القبرِ
تيارٌ من اللهبِ
تجمع في ضمير الأرض آلافاً من الحقب
أتى الفرسان فاضطربي دُنى اضطربي
أتوا: يا أنجُمُ اقتربي
أتوا في الليل في الشُهُبِ
أتوا في الريح في السُحُبِ
أتوا في الموج في الشطآن في الخلجان في الكُتُبِ
أتوا في أحرف الكُتُبِ
أتى الفرسان
فاضطربي دُنى اضطربي.

***

أتى الفرسانُ كالقَدَرِ
أطلّوا من فمِ الزهرِ
وسالوا من دمِ الشجر
أتوا في رمية الحَجَر
وآخوا البرق وانسابوا مع المطرِ
أتوا يا أنجمُ انهمري
ويا نيران فاستعري

***

أتى الفرسان كالقدرِ
أتوا في الخندق المحفور في الجَبَلِ
أتوا في البيرق المنشور كالأزلِ
أتوا في رعشةِ السكّين إن مرّت على العُنقْ
أتوا في لهفة الحرمانِ
في الحُرَقِ
أتوا في دمعة هامَت على الهُدُبِ
أتوا في شمعة ذابت ولم تَذُبِ
أتوا في الدرّة المحروسة النسب
أتى الفرسان
فاضطربي دُنى اضطربي.

 


 

محمد علي شمس الدين