كيف نجحت?.. القائد دورو

كيف نجحت?.. القائد دورو

رسمها: سمير عبدالمنعم

مازِلتُ أذْكرُ ذلكَ القائِدَ الْكبيرَ الذي لقيتهُ صدفةً قبلَ أنْ أجتازَ الامتحانَ بخمسةِ أيامٍ, فأعطاني درسًا لنْ أنساهُ طولَ حياتي, وسأنقلهُ إلى تلاميذي وأبنائي وحفدائي.

سألتهُ في دهشةٍ, بينما الأوسمةُ المعلقةُ علَى الصدرِ تعشِي عينيَّ بلمعانهَا:

قلْ لي, يا سيدِي, كيفَ أصبحتَ قائدا كبيراً, تقودُ جيوشًا في ساحةِ الحربِ?

ضحكَ قائلاً:

- حسنًا, يابنيَّ, سأحكي لكَ قصتي حدثًا حدثًا, لا لكيْ تصيرَ مثلي قائدا, وإنما لتبقَى سائرا في الطريقِ الطويلِ لا تبالي بالأشواكِ,. فتصبحَ عضوا صالحا في بلدكَ الجميلِ.

منذُ نعومةِ أظفاري, وأنا أحبُّ القراءةَ, لكنَّ والدي كان يرغمنِي على أن أعملَ خبازا. فكنتُ أرضي نفسي وأرضي أبي الفقيرَ في الوقتِ نفسهِ أي اشتغلُ نهارا, وأقرأُ ليلاً, تحتَ ضوءِ شمعةٍ أو لهيبِ مدفأةٍ أو نورِ القمرِ الضاحكِ الذي كان يتسلل كل ليلةٍ إلى غرفتي. كأنه يقولُ لي:

- هلْ تعرفُ لماذا أزوركَ?...أريدكَ أن تكون الأولَ دائمًا!

ويومَ الامتحانٍ, الذي يُعزُّ فيه المرءُ أو يهانُ, دخلتُ القاعةَ, بقامتي المرفوعةِ, فانفجرَ التلاميذُ ضاحكينَ, إذْ كانوا يشترونَ منّي الخبزَ.

وبيْنَ الفينةِ والفينةِ, وأنا مطأطئُ الرأسِ أجيبُ عنِ الأسئلةِ, تتسقطُ أذنايَ كلماتِ السخريةِ:

- ما لهُ والعلمَ?!..... ألا يكفيهِ أنْ يملأَ بطنهُ خُبزًا ساخنا?!.....

حتى أبناءُ الخبازينَ أصبحوا يُزاحمونَنا في المدارسِ!

لم أكنْ أبالي بكلماتهمْ, ولا بنظراتهمْ الجارحةِ, ولا بحركاتهمُ البهلوانيةِ, ولمْ أكنْ أخجلُ أو أرتبكُ, لأنّني أشعرُ بالثقةِ في نَفسي, وبحقّي في أنْ أتعلّمَ, وأهزِمَ عَدوّي (الْجهل)!

ولمّا عُلَِّقتْ لائحةُ الناجحينَ, وكانَ عددهم قليلاً, لا يتعدّى أصابعَ اليدِ, كانتْ رتبةُ (ابنِ الخبازِ) الأولى, فأتَاني المُديرُ والْمعلمونَ والتلاميذُ والأصدقاءُ والجيرانُ يهنئوننِي على نجاحي ويحملونِني على أكتافِهمْ, وهمْ يطوفونَ بي في طرقِ المدينة.

ومنذُ ذلكَ اليومِ, وأنا أشُقُّ طَريقِي الطويلَ الصّعبَ, إلى أنْ أصبحتُ قائدًا كبيرًا في جيشِ الإمبراطورِ نَابليونْ بونابرْت.

اسْمَحْ لي, يَا بُنَيَّ, لَقَدْ نسيتُ أَنْ أذْكرَ لكَ اسمِي, إنَّني الْقائِدُ (دورو)!

 


 

العربي بن جلـون